ثمّ أرفق الكتاب بصحيفة صغيرة فيها : خُذ الحسين وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ، ومَن أبى فاضربْ عنقه ، وابعث إليَّ برأسه (١)!
وقام العامل بهذه المهمّة ، فبعث على الحسين وابن الزبير نصف الليل ، رجاء أنْ يغتنم الفرصة بمبايعتهما قبل النّاس ، فوجدهما رسوله عبد الرحمن بن عمرو بن عثمان بن عفّان (٢) في مسجد النّبي (ص) ، فارتاب ابن الزبير من هذه الدعوة التي لم تكن في الوقت الذي يجلس فيه للناس (٣) ، لكن حُجّة الوقت (حسين الإصلاح) أوقفه على أمر غيبي ، وهو هلاك معاوية ، وأنّه يطلب منهم البيعة ليزيد وأيّده (ع) بما رآه في المنام من اشتعال النّيران في دار معاوية ، وإنّ منبره منكوس (٤).
ورام ابن ميسون على الدين امرة |
|
فعاثت بدين الله جهراً جرائمه |
فقام مغيثاً شرعة الدِّين شبل مَنْ |
|
بصمصامه بدءاً اقيمت دعائمه |
وحفَّ به (إذ محصَّ الناسَ) معشر |
|
نمته إلى اوج المعالي مكارمه |
فمن اشوس ينميه للطعن (حيدر) |
|
وينميه جد في قرى الطير (هاشمه) |
ورهط تفانى في حمى الدين لم تهن |
|
لقلته بين الجموع عزائمه |
إلى أن قضوا دون الشريعة صرَّعاً |
|
كما صرعت دون العرين ضراغمه |
أراد ابن هند خاب مسعاه أن يرى |
|
(حسينا) بأيدي الضيم تلوى شكائمه |
ولكن أبى المجد المؤثل والإبا |
|
له الذلُّ ثوباً والحسام ينادمه |
أبوه علي وابنة الطُّهر اُمّه |
|
وطه له جَدٌّ وجبريل خادمه |
إلى ابن سمي وابن ميسون ينثني |
|
يمدُّ يداً والسّيف في اليد قائمه |
__________________
(١) مقتل الخوارزمي ١ ص ١٧٨ ـ ١٨٠ ، طبع النجف ، وقد أشرنا في المقدّمة إلى السّر في إنشاء هذا الكتاب الصغير فاقرأه.
(٢) ابن عساكر ٤ ص ٣٢٧.
(٣) الطبري ٦ ص ١٨٩.
(٤) مثير الاحزان لابن نما ص ١٠ ، ومقتل الخوارزمي ١ ص ١٨٢ الفصل الثامن. ولا يخفى أنّ رؤيا الإمام (ع) مشاهدة لحقيقة الحال ، إبصار بنور الإمامة الذي لا تمنعه الحواجز عن ادراك ما في الكون ، ولا بدع في ذلك ممَّن كوّنه الله تعالى حُجّة على العالمين ، فهو (ع) في مقام الكناية عن نكوس منبره بانقلاب الأمر من يده وانقطاع شهواته بهلاكه ، واشتعال النيران كناية عن احتدام الفتن بمثل فاجعة الطفّ ، وواقعة الحرة ، وهدم البيت الحرام إلى أمثالها.