وقال له ابن عبّاس : يابن العم ، إنّي أتصبَّر وما أصبرُ ، وأتخوَّفُ عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال. إنّ أهل العراق قوم غَدرٍ فلا تقربنَّهم. أقم في هذا البلد فإنّك سيّد أهل الحجاز ، وأهل العراق إنْ كانوا يريدونك ـ كما زعموا ـ فلينفوا عاملهم وعدوّهم ثمّ اقدم عليهم ، فإنْ أبيتَ إلاّ أنْ تخرج ، فسِر إلى اليمن ، فإنّ بها حصوناً وشعاباً وهي أرض عريضة طويلة ، ولأبيك فيها شيعة وأنتَ عن النّاس في عزلة ، فتكتب إلى النّاس وترسل وتبثّ دعاتك ، فإنّي أرجو أنْ يأتيك عند ذلك الذي تحبّ في عافية.
فقال الحسين (ع) : «يابن العم ، إنّي والله لأعلم أنّك ناصح مشفق ، وقد أزمعتُ على المسير».
فقال ابن عبّاس : إنْ كنتَ سائراً فلا تسِر بنسائك وصبيتك ، فإنّي لخائف أنْ تُقتل وهم ينظرون إليك ، فقال الحسين : «والله ، لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جَوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من فرام المرأة» (١).
توجيه لدواعي السّفر
هذه غاية ما وصل إليه إدراك من رغب في تريّث الحسين (ع) عن السّفر إلى العراق ، وأبو عبد الله لَمْ تخفَ عليه نفسيّات الكوفيّين وما شيبت به من الغدر والنّفاق ، ولكن ماذا يصنع بعد إظهارهم الولاء والانقياد له والطاعة لأمره؟ وهل يعذر أمام الاُمّة في ترك ما يطلبونه من الإرشاد والإنقاذ من مخالب الضلال وتوجيههم إلى الأصلح المرضي لربّ العالمين؟ مع أنّه لَمْ يظهر منهم الشقاق
__________________
(١) كامل ابن الأثير ٤ ص ١٦ ، وفي القاموس وتاج العروس : الفرام ككتاب دواء تضيق به المرأة المسلك او حب الزبيب تحتشي به لذلك ، وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج لما شكا منه أنس بن مالك : يابن المستفرمة بعجم الزبيب. وكانت في احراح ثقيف سعة يتضيقن بعجم الزبيب.
والفرامة (ككتابة) : هي الخرقة تحتشي بها المرأة عند الحيض كالفرام. وفيها يقول الشاعر :
وجدتك فيها كاُمّ الغلام |
|
متى ما تجد فارماً تفترم |
وفي مقاييس اللغة لابن فارس ٤ ص ٤٩٦ : أظنها غير عربية ، وقال الخليل : ليست من كلام أهل البادية.