والخلاف ، واعتذاره (ع) عن المصير إليهم بما جبلوا عليه من الخيانة كما فعلوا مع أبيه وأخيه يُسبّب إثارة اللوم من كلّ مَن يبصر ظواهر الأشياء ، والإمام المقيض لهداية البشر أجلّ من أنْ يعمل عملاً يكون للاُمّة الحُجّة عليه ، والبلاد التي أشار بها ابن عباس (١) وغيره لا منعة فيها ، وما جرى من بسر بن أرطاة مع أهل اليمن تؤكّد وهنهم في المقاومة والضعف عن ردّ الباغي.
__________________
(١) هذا شيء يجب أن ننبه له وهو أن ابن عباس لم يكن بالمنزلة العالية ليكون محلاً لتقي العلوم الغريبة كحبيب بن مظاهر ورشيد الهجري وعمر وبن الحمق وحجر بن عدي وكميل بن زياد وميثم التمار ، فانهم كانوا على جانب كبير من التبصر في الامور ووصلوا الى حق اليقين ، فلم يعبأوا بكل ما يجري عليهم من الفوادح والتنكيل لذلك لم يعدموا من امير المؤمنين (ع) الحبوة بايقافهم على الحوادث والملاحم وما تملكه الجبابرة والعلوم الغريبة!! نلمس ذلك من المحاورة الدائرة بين حبيب بن مظاهر وميثم التمار من اخبار كل منهما الآخر بما يجري عليه من القتل ونصرة أهل البيت عليهم السلام ، فكذبهما من لم يفقه الأسرار الالهية من بني اسد ولما جاء رشيد الهجري يسأل عنهما قيل له افترقا وكان من امرهما كذا وكذا فقال رحم الله ميثما لقد نسي انه يزداد في عطاء الذي يأتي برأس حبيب مئة درهم ثم ادبر! فقال القوم هذا والله اكذبهم ، ولم تذهب الأيام حتى وقع كل ذلك! صلب ميثم بالقرب من دار عمرو بن حريث وقتل حبيب مع الحسين (ع) وقطع ابن زياد يدي رشيد الهجري ورجليه ولسانه كما أخبره أمير المؤمنين (ع) (راجع رجال الكشتئـ ص ٥١ وما بعدها طبع الهند).
وعلى هذا فابن عباس وغيره أقل رتبة من هؤلاء الافذاذ ومن شهداء الطف ، مهما نعترف له بالموالاة الصادقة لأمير المؤمنين وولده الاطهار. فان حديثه مع ميثم التمار يرشدنا الى عدم بلوغه تلكم المنازل العالية التي حواها ميثم وأمثاله ... ففي رجال الكشي ص ٥٤أن ابن عباس اجتمع مع ميثم بالمدنية ، فقال ميثم سل يا ابن عباس ما شئت من تفسير القرآن فلقد قرأت تنزيله على امير المؤمنين (ع) فعلمني تأويله ، فاخذ ابن عباس القرطاس ليكتب فقال له ميثم كيف بك لو رأيتني مصلوباً على خشبة تاسع تسعة أقربهم من المطهرة فتعجب ابن عباس من هذا العبد الاسدود المخبر عن الغيب ، فرمى القرطاس وقال انك تكهن عليّ ، فقال ميثم يا ابن عباس احتفظ بما سمعت مني فان يكن حقاً امسكته وان يكن باطلاً خرقته فكتب ابن عباس عن ميثم ما وعاه عن أمير المؤمنين من تفسير القرآن.
وعلى هذا فما يتحدث بن ابن الابار في تكملة الصلة ج ٢ ص ٦٠٠ طبع ثاني من أن ابن عباس كان يقول له فسرت (الحمد الله رب العالمين) على كنهم ما حملت ابل الأرض كتب تفسيرها لا نصيب له من الصحة وهو من موضوعات دعاة بني العباس ، أرادوا به المقابلة لقول سيد الاوصياء المروي في احياء العلوم للغزالي ج ١ ص ٢٦٠ (فصل القرآن الباب الرابع) في التفسير بالرأي ، وعلم القلوب لابي طالب المكي ص ٧٢ والاتقان للسيوطي ج ٢ ص ١٨٦ النوع ٢٨ فيما يرجع الى تفسير القرآن ، والمحجة البيضاء للفيض الكاشاني ج ١ ص ٢٥١ في التفسير بالرأي : أن أمير المؤمنين قال لو شئت لا وقرت سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب.
وفي سعد السعود لابن طاووس ص ٢٨٦ نقلا عن العلم اللدني للغزالي : انه (ع) قال : لو اذن الله لي ورسوله لشرحت ألف الفاتحة حتى يبلغ أربعين جملاً! وحكاه في البحار ج ٩ ص ٢٧٧ وص ٤٦٣ طبع كمبني ولا غرابة ممن هو النقطة تحت باء البسملة! ففي مقدمة تفسير القرآن للشيخ محمد حسين الاصفهاني روى عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : كل ما في القرآن في الحمد وكل ما في الحمد في البسملة وما في البسملة في الباء وما في الباء في النقطة ، وانا النقطة تحتها .. وفي العنايات الرضوية تكلم في شرحه ص ١١٩ ..