بين هذه الكوارث ، فهل أبقت لهم مهجة ينهضون بها أو أنفساً تعالج الحياة والحرب في غد؟!
نعم كانت ضراغمة آل عبد المطّلب والصفوة من الأصحاب عندئذ في أبهج حالة وأثبت جأش ، فرحين بما يلاقونه من نعيم وحبور ، وكلّما اشتدّ المأزق الحرج أعقب فيهم انشراحاً بين ابتسامة ومداعبة إلى فرح ونشاط.
ومذ أخذت في نينوى منهم النوى |
|
ولاح بها للغدر بعض العلائم |
غدا ضاحكا هذا وذا متبسّماً |
|
سروراً وما ثغر المنون بباسم |
هازل برير عبد الرحمن الأنصاري ، فقال له عبد الرحمن : ما هذه ساعة باطل؟ فقال برير : لقد علم قومي ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً ، ولكنّي مستبشر بما نحن لا قون ، والله ما بيننا وبين الحور العين إلاّ أنْ يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ، ولوددتُ أنّهم مالوا علينا السّاعة (١).
وخرج حبيب بن مظاهر يضحك ، فقال له يزيد بن الحصين الهمداني : ما هذه ساعة ضحك. قال حبيب : وأي موضع أحقّ بالسرور من هذا؟ ما هو إلاّ أنْ يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور (٢).
تجري الطلاقة في بهاء وجوههم |
|
أنْ قطبت فرقاً وجوه كماتها |
وتطلّعت بدجى القتام أهلَّة |
|
لكن ظهور الخيل من هالاتها |
فتدافعت مشي النزيف إلى الردى |
|
حتّى كأنَّ الموت من نشواتها |
وتعانقت هي والسّيوف وبعد ذا |
|
ملكت عناق الحور في جنّاتها (٣) |
فكأنّهم نشطوا من عقال ، بين مباشرة للعبادة ، وتأهّب للقتال ، لهم دوي كدويّ النّحل ، بين قائم وقاعد وراكع وساجد.
قال الضحّاك بن عبد الله المشرقي : مرّت علينا خيل ابن سعد فسمع رجل منهم الحسين (ع) يقرأ (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ ِلأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٤١.
(٢) رجال الكشي ص ٥٣ ، طبعة الهند.
(٣) للعلامة السيّد محمّد حسين الكيشوان رحمه الله.