فقال الرجل نحن وربّ الكعبة الطيّبون ميّزنا منكم.
قال له برير : يا فاسق ، أنت يجعلك الله في الطيّبين؟! هلمّ إلينا وتُب من ذنوبك العظام ، فوالله لنحن الطيّبون وأنتم الخبيثون. فقال الرجل مستهزئاً : وأنا على ذلك من الشاهدين (١).
ويقال : أنّه في هذه الليلة انضاف إلى أصحاب الحسين من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً (٢) حين رأوهم متبتّلين متهجدين عليهم سيماء الطاعة والخضوع لله تعالى.
قال علي بن الحسين : «سمعتُ أبي في الليلة التي قُتل في صبيحتها يقول ، وهو يصلح سيفه :
يا دهر اُفٍّ لك من خليل |
|
كم لك بالاشراق والأصيل |
مِنْ صاحب وطالب قتيل |
|
والدهر لا يقنع بالبديل |
وانّما الأمر إلى الجليل |
|
وكلّ حيٍّ سالك سبيل |
فأعادها مرّتين أو ثلاثاً ، ففهمتُها وعرفتُ ما أراد وخنقتني العبرة ، ولزمتُ السكوت وعلمتُ أنّ البلاء قد نزل.
وأمّا عمّتي زينب لمّا سمعتْ ذلك وثبتْ تجرّ ذيلها حتّى انتهت إليه وقالت : وآثكلاه! ليتَ الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت اُمّي فاطمة وأبي عليٌ وأخي الحسن (٣) ، يا خليفة الماضي وثمال الباقي! فعزّاها الحسين وصبَّرها وفيما قال : يا اُختاه تعزّي بعزاء الله واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون ، وأهل السّماء لا يبقون وكلّ شيء هالك إلاّ وجهه ، ولي ولكلّ مسلم برسول الله اُسوة حسنة.
فقالت (عليها السّلام) : افتغصب نفسك اغتصاباً ، فذاك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي (٤).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٤٠ ، الطبعة الاُولى.
(٢) اللهوف ، وتاريخ اليعقوبي ٢ ص ٢١٧ ، طبعة النجف ، وسير أعلام النبلاء للذهبي ٣ ص ٢١٠.
(٣) تايخ الطبري ٤ ص ٢٤٠ ، وكامل ابن الأثير ٤ ص ٢٤ ، ومقتل الخوارزمي ١ ص ٢٣٨ ، الفصل الحادي عشر ، ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج ص ٤٥ ، طبعة ايران.
(٤) اللهوف.