وبكت النّسوة معها ولطمن الخدود ، وصاحت اُمّ كلثوم : وآ محمداه! وآ علياه! وآ اُمّاه! وآ حسيناه! وآ ضيعتنا بعدك!
فقال الحسين : يا اُختاه يا اُمّ كلثوم ، يا فاطمة ، يا رباب ، انظرْنَ اذا قُتلت فلا تشققن عليَّ جيباً ولا تخمشن وجهاً ولا تقلن هجراً» (١). ثمّ إنّ الحسين أوصى اُخته زينب بأخذ الأحكام من علي بن الحسين (ع) وإلقائها إلى الشيعة ستراً عليه. وبذلك يحدِّث أحمد بن إبراهيم قال : دخلتُ على حكيمة بنت محمّد بن علي الرضا ، اُخت أبي الحسن العسكري (ع) سنة ٢٨٢ بالمدينة ، وكلّمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها ، فسمّت من تأتمّ بهم ، وقالت : فلان بن الحسن. قلت : معاينةً أو خبراً؟ قالت : خبر عن أبي محمّد (ع) كتب به إلى اُمّه. قلت لها : أقتدي بمَن وصيّته إلى امرأة؟! قالت : اقتداءً بالحسين بن علي بن أبي طالب (ع) فإنّه أوصى إلى اُخته زينب في الظاهر ، فكان ما يخرج من علي بن الحسين (ع) من علم ينسب إلى زينب ؛ ستراً على علي بن الحسين (ع). ثمّ قالت : إنّكم قوم أخبار ، أما رويتم أنّ التاسع من ولد الحسين يقسم ميراثه في الحياة؟. إكمال الدين للصدوق ص ٢٧٥ ، باب ٤٩ ، طبع حجر أول.
ثمّ إنّه (عليه السّلام) أمر أصحابه أنْ يقاربوا البيوت بعضها من بعض ؛ ليستقبلوا القوم من وجه واحد. وأمر بحفر خندق من وراء البيوت يوضع فيه الحطب ويلقى عليه النّار إذا قاتلهم العدو ؛ كيلا تقتحمه الخيل ، فيكون القتال من وجه واحد (٢).
وخرج (عليه السّلام) في جوف الليل إلى خارج الخيام يتفقّد التلاع والعقبات ، فتبعه نافع بن هلال الجملي ، فسأله الحسين عمّا أخرجه قال : يابن رسول الله أفزعني خروجك إلى جهة معسكر هذا الطاغي ، فقال الحسين : «إنّي خرجت أتفقّد التلاع والروابي ؛ مخافة أنْ تكون مكمناً لهجوم الخيل يوم تحملون ويحملون». ثمّ رجع (عليه السّلام) وهو قابض على يد نافع ويقول : «هي هي والله ، وعد لا خلف فيه».
ثمّ قال له : «ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك؟»
__________________
(١) الإرشاد.
(٢) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٠.