فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمن من الأرض». فقال له قَيس بن الأشعث : أولا تنزل على حكم بني عمّك؟ فإنّهم لَن يروك إلاّ ما تُحبّ ولَن يصل إليك منهم مكروه.
فقال الحسين (عليه السّلام) : «أنت أخو أخيك ، أتريد أن يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد (١) ، عباد الله إنّي عذتُ بربّي وربّكم أنْ ترجمون ، أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبِّر لا يؤمن بيوم الحساب».
ثمّ أناخ وأمر عقبة بن سمعان فعقلها (٢).
وقام لسان الله يخطب واعظاً |
|
فصمّوا لما عن قدس أنواره عموا |
||
وقال انسبوني مَن أنا اليوم وانظروا |
|
حلالٌ لكم منّي دمي أم محرّم |
||
فما وجدوا إلاّ السِّهام بنحره |
|
تراش جواباً والعوالي تقَّوم |
||
ومذ أيقن السّبط انمحى دين جَدّه |
|
ولَم يبقَ بين النّاس في الأرض مسلم |
||
فدى نفسه في نصرة الدين خائضاً |
|
عن المسلمين الغامرات ليسلموا |
||
وقال خذيني يا حتوف وهاك يا |
|
سيوف فأوصالي لك اليوم مغنم |
||
وهيهات أن أغدو على الضّيم جاثماً |
|
ولو لا على جمر الأسنَّة مجثم |
||
وكرّ وقد ضاق الفضا وجرى القضا |
|
وسال بوادي الكفر سيل عرمرم |
||
ومذ خرّ بالتعظيم لله ساجداً |
|
له كبّروا بين السّيوف وعظموا |
||
وجاء إليه الشّمر يرفع رأسه |
|
فقام به عنه السّنان المقوّم |
||
وزُعْزع عرش الله وانحطَّ نوره |
|
فأشرق وجه الأرض والكون مظلم |
||
__________________
(١) (بالفاء الموحّدة فيهما) ، رواه ابن نما في مثير الأحزان ص ٢٦ ، وهو أصح ممّا يمضي على الألسن ، ويوجد في بعض المقاتل (بالقاف) من الإقرار ؛ لأنّه على هذا تكون الجملة الثانية غير مفيدة ، إلاّ ما أفادته التي قبلها بخلافه على قراءة الفرار ، فإنّ الجملة الثانية تفيد أنّه لا يفرّ من الشدة والقتل ، كما يصنعه العبيد. وهو معنى غير ما تؤدي إليه الجملة التي قبلها ، على أنّه يوجد في كلام أمير المؤمنين ما يشهد له ، ففي تاريخ الطبري ٦ ص ٧٦ الطبعة الاُولى وكامل ابن الأثير ٣ ص ١٤٨ ، ونهج البلاغة ١ ص ١٠٤ ، المطبعة الأميريّة : إنّ أمير المؤمنين قال في مصقلة بن هبيرة لمّا فرّ إلى معاوية : «ما لَه فعل فعل السيّد ، وفرّ فرار العبد ، وخان خيانة الفاجر؟!» ، وقصّته على ما ذكرها ابن حزم في جمهرة أنساب العرب ص ١٦٤ : إنّ أصحاب الحريث بن راشد من بني عبد البيت بن الحارث ارتدّوا أيام علي (ع) فحاربهم وقتلهم وسبى نساءهم وأبناءهم ، فابتاعهم مصقلة الشيباني وأعتقهم ثمّ هرب إلى معاوية ، فأمضى علي (ع) عتقه لهم.
(٢) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٤٣.