أشبه النّاس برسولك محمّد خَلقاًَ وخُلُقاً ومنطقاً (١) ، وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك نظرنا إليه ، اللهمّ فامنعهم بركات الأرض ، وفرِّقهم تفريقاً ، ومزِّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترضِ الولاة عنهم أبداً ، فإنّهم دعونا لينصرونا ، ثمّ عدَوا علينا يقاتلونا» ، ثمّ تلا قوله تعالى : (إِنّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٢).
ولم يزل يحمل على المَيمنة ويعيدها على المَيسرة ويغوص في الأوساط ، فلَم يقابله جحفل إلاّ ردّه ، ولا برز إليه شجاع إلاّ قتله :
يرمي الكتائب والفلا غصَّت بها |
|
في مثلها من بأسه المتوقِّد |
فيردّها قسراً على أعقابها |
|
في بأس عرّيس العرينة ملبد |
فقتل مئة وعشرين فارساً. وقد اشتدّ به العطش فرجع إلى أبيه يستريح ويذكر ما أجهده من العطش (٣) فبكى الحسين (ع) وقال : «وآ غوثاه! ما أسرع الملتقى بجدّك فيسقيك بكأسه شربةً لا تظمأ بعدها» وأخذ لسانه فمصّه ودفع إليه خاتمه ليضعه في فيه (٤).
ويؤوب للتوديع وهو مكابد |
|
لظما الفؤاد وللحديد المجهد |
صادي الحشا وحسامه ريّان من |
|
ماء الطلا وغليله لم يبرد |
يشكو لخير أب ظماه وما اشتكي |
|
ظمأ الحشا إلا إلى الظامي الصدي |
كل حشاشته كصالية الغضا |
|
ولسانه ظمأ كشقة مبرد |
فانصاع يؤثره عليه بريقه |
|
لو كان ثَمّة ريقه لم يجمد |
وَمُذ انثنى يلقى الكريهة باسماً |
|
والموت منه بمسمع وبمشهد |
__________________
(١) مثير الأحزان لابن نما واللهوف ومقتل الخوارزمي.
(٢) مقتل الخوارزمي ٢ ص ٣٠.
(٣) مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج ص ٤٧ الطبعة الحجرية ، ومقتل العوالم ص ٩٦ ، وروضة الواعظين ص ١٦١ ، ومناقب ابن شهر آشوب ٢ ص ٢٢٢ طبعة ايران ، ومثير الأحزان لابن نا ص ٣٥ ، واللهوف ص ٦٤ طبعة صيدا ، ومقتل الخوارزمي ٢ ص ٣٠.
(٤) مقتل الخوارزمي ٢ ص ٣١ ، ومقتل العوالم ص ٩٥. جاء في معاهد التنصيص للعباسي ٢ ص ٥١ : أنّ يزيد بن مزيد الشيباني لمّا لحق الوليد بن طريف وأجهده العطش ، وضع خاتمه في فمه وتبع الوليد حتّى طعنه بالرمح. وروى الكليني في الكافي عن الصادق (عليه السّلام) أنّه لا بأس للصائم أن يمصّ الخاتم ، وبه أفتى العلماء بالجواز ولعلّ من أسراره أنّه يسبب عمل الغدد في الإفراز ، وعليه فلا خصوصيّة للخاتم بل كلّ ما يسبب عمل الغدد في الإفراز يوضع في الفم كالحصى ونحوهما.