وتراه في خلق وطيب خلائق |
|
وبليغ نطق كالنبيّ محمد (١) |
ولمّا يمّم الحرب ، عزّ فراقه على مخدّرات الإمامة ؛ لأنّه عماد أخبيتهن وحمى أمنهن ومعقد آمالهن بعد الحسين. فكانت هذه ترى هتاف الرسالة في وشك الانقطاع عن سمعها ، وتلك تجد شمس النبوّة في شفا الكسوف ، واُخرى تشاهد الخُلق المحمدي قد آذن بالرحيل ، فأحطن به وتعلّقن بأطرافه وقلن : ارحم غربتنا ، لا طاقة لنا على فراقك. فلم يعبأ بهنّ ؛ لأنّه يرى حجّة الوقت مكثوراً قد اجتمع أعداؤه على إراقة دمه الطاهر ، فاستأذن أباه وبرز على فرس للحسين تسمّى لاحقاً (٢).
ومن جهة أنَّ ليلى اُمّ الأكبر بنت ميمونة ابنة أبي سفيان (٣) صاح رجل من القوم : يا علي إنّ لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد ، ونريد أنْ نرعى الرحم ، فإنْ شئت آمنّاك. قال (عليه السّلام) : إنّ قرابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أحقّ أنْ تُرعى (٤). ثمّ شدّ يرتجز معرِّفاً بنفسه القدسيّة وغايته السّامية :
أنا علي بن الحسين بن علي |
|
نحن وربُّ البيت أُولى بالنبي |
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي (٥) |
|
أضرب بالسيف اُحامي عن أبي |
ضرب غلام هاشميًّ قرشي (٦)
ولَم يتمالك الحسين (عليه السّلام) دون أن أرخى عينيه بالدموع (٧) وصاح بعمر بن سعد : «مالك؟ قطع الله رحمك كما قطعتَ رحمي ، ولَم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وسلّط عليك من يذبحك على فراشك» (٨). ثمّ رفع شيبته المقدّسة نحو السّماء وقال : «اللهمّ اشهد على هؤلاء فقد برز إليهم
__________________
(١) هذه الأبيات والتي تأتي بعدها للحجّة آية الله الشيخ عبد الحسين صادق العاملي (قدّس سرّه).
(٢) في كتاب فضل الخيل لعبد المؤمن الدمياطي المتوفّى سنة ٨٠٥ الصفحة ١٧٨ : أحد فرسي الحسين بن علي يسمّى (لاحقاً). وفي صفحة ١٨٣ قال : كان للحسين بن علي (رضي الله عنه) فرس اسمه اليحموم ، وله فرس اُخرى تُدعى لاحقاً حمل عليها ولده علي بن الحسين الأكبر يوم قتلا بالطف.
(٣) الإصابة لابن حجر ٤ ص ١٧٨ ، ترجمة أبي مرة.
(٤) سرّ السلسلة لأبي نصر في النّسب ، ونسب قريش ص ٥٧ لمصعب الزبيدي.
(٥) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٥٦ ، وإعلام الورى للطبرسي ص ١٤٥ ، ومثير الأحزان ص ٣٥.
(٦) تمام الأبيات من رواية الشيخ المفيد قدّس سرّه في الإرشاد.
(٧) مثير الأحزان لان نما ص ٣٥ ، والإرشاد للمفيد.
(٨) مقتل الخوارزمي ٢ ص ٣٠.