ثمّ إنّه ركب جواده وأخذ القربة ، فأحاط به أربعة آلاف ورموه بالنّبال فلَم ترعه كثرتهم ، وأخذ يطرد اُولئك الجماهير وحده ولواء الحمد يرفّ على رأسه ، ولَم يشعر القوم أهو العبّاس يجدل الأبطال أم أنّ الوصي يزأر في الميدان؟! فلم تثبت له الرجال ، ونزل إلى الفرات مطمئنّاً غير مبال بذلك الجمع.
ودمدم ليث الغاب يعطو بسالة |
|
إلى الماء لم يكبر عليه ازدحامها |
وخاض بها بحرا يرفُّ عبابه |
|
ضبا ويد الأقدار جالت سهامها |
ألمت به سوداء يحْطف برقها |
|
البصائر من رعب ويعلو قتامها |
جلاها بمشحوذ الغرارين أبلج |
|
يدبُّ به للدارعين حمامها |
فحلّأها عن جانب النهر عنوة |
|
وولّت هواديها يصلُّ لجامها |
ثنى رجله عن صهوة المهر وامتطى |
|
قرى النهر واحتلَّ السقاء همامها |
وهبّ إلى نحو الخيام مشمّراً |
|
لريِّ عطاشى قد طواها اوامها (١) |
ولمّا اغترف من الماء ليشرب ، تذكّر عطش الحسين ومَن معه ، فرمى الماء (٢) وقال :
يا نفس من بعد الحسين هوني |
|
وبعده لا كنت أن تكوني |
هذا الحسين وارد المنون |
|
وتشربين بارد المعين |
تالله ما هذا فعال ديني (٣)
ثمّ ملأ القربة وركب جواده وتوجّه نحو المخيّم ، فقُطع عليه الطريق ، وجعل يضرب حتّى أكثر القتل فيهم وكشفهم عن الطريق وهو يقول :
لا أرهب الموت إذا الموت زقا (٤) |
|
حتّى اُوارى في المصاليت لقى |
__________________
(١) للشيخ حسن مصبح الحلّي ، ذُكرت في كتابنا (قمر بني هاشم).
(٢) المنتخب للطريحي ص ٣١١ ، الطبعة الثالثة ، المجلس التاسع ، الليلة العاشرة. وعند المجلسي في البحار ١٠ ص ٢٠١ ، وعنه في مقتل العوالم ص ٩٥ ، وعنه في تظلّم الزهراء (عليها السّلام) ص ١١٩ ، وفي رياض المصائب ص ٣١٣.
(٣) رياض المصائب ص ٣١٣ للسيّد محمّد مهدي الموسوي.
(٤) زقا : بمعنى صاح ، وكانت العرب تزعم أنّ للموت طائراً يصيح ويسمونه (الهامة) ، ويقولون إذا قُتل الإنسان ولَم يؤخذ بثأره ، زقّت هامته حتّى يثأر ، قال الشاعر :
فإنّ تلك بهراة تزقو |
|
فقد ازقبت بالمردين هاما |
وسمعت العالِم الفاضل الشيخ كاظم سبتي رحمه الله يقول : أتاني بعض العلماء الثقات وقال : أنا رسول العبّاس (ع) إليك ، رأيته في المنام يعتب عليك ويقول : لَم يذكر مصيبتي شيخ كاظم سبتي ، فقلتُ له : يا