عبيد الله بن زياد فقال لمَن حضر عنده : اكتمه (١). وولّى هارباً منها. فتكلّم الرأس الشريف بصوت جهوري : «إلى أين تهرب يا ملعون؟ فإن لم تنلك في الدنيا فهي في الآخرة مثواك». ولَم يسكت الرأس حتّى ذهبت النّار فاُدهش مَن في القصر (٢). ومكث النّاس شهرَين أو ثلاثة يرَون الجدران ملطّخة بالدم ساعة تطلع الشمس وعند غروبها (٣). وحديث الغراب المتلطّخ بدم الحسين (ع) وقد طار إلى المدينة ووقع على جدران فاطمة ابنة الحسين الصغرى ، ومنه استعلمت قتْل أبيها (ع) ، ولمّا نعته إلى أهل المدينة قالوا : جاءت بسحر بني عبد المطّلب. وما أسرع أن جاء الخبر بشهادته يرويه الموفّق أخطب خوارزم أحمد بن مكّي المتوفّى سنة (٥٦٨) في مقتل الحسين ٢ / ٩٢. ولا غرابة فيه بعد المصادقة على وجود ابنة للحسين غير فاطمة وسكينة فإنّ شهادته (ع) حفلت بالكثير من خوارق العادة. أراد الجليل عزّ شأنه إعلام الاُمّة الحاضرة والأجيال المتعاقبة الواقفين على هذه الملحمة التي لَم يأتِ الدهر بمثلها بالقساوة التي استعملها الاُمويّون مع أبي عبد الله المستشهد في سبيل الدعوة الإلهيّة ، وفي ذلك توجيه الأنظار إلى كرامة الحسين عند الله وأنّ قتله سوف يكون مدحرة للأضاليل وإحياء للدين الذي أراد بقاءه ربّ العالمين إلى يوم يبعثون.
ويحدّث دعبل الخزاعي عن جدّه : أنّ اُمّه سعدى بنت مالك الخزاعيّة أدركت الشجرة التي كانت عند اُمّ معبد الخزاعيّة وهي يابسة وببركات وضوء النبي (ص) في أسفلها أورقت وأثمرت ، كثيراً. ولمّا قُبض النّبي (ص) قلّ ثمرها ، ولمّا قُتل أمير المؤمنين (ع) تساقط ثمرها ، وكانوا يتداوون بورقها ، وبعد برهة نظروا إليها وإذا ساقها ينبع دماً ، فأفزعهم هذا الحادث الذي لَم يُشاهد مثله ، ولمّا اظلم الليل سمعوا بكاءً وعويلاً ولَم يرَوا أحداً ، وقائل يقول :
يابن الشهيد ويا شهيداً عمّه |
|
خير العمومة جعفر الطيارُ |
عجباً لمصقولٍ أصابك حدّه |
|
في الوجه منك وقد علاك غبارُ |
__________________
(١) مجمع الزوائد ٩ ص ١٩٦ ، وكامل ابن الأثير ٤ ص ١٠٣ ، ومقتل الخوارزمي ٢ ص ٨٧ ، والمنتخب للطريحي ص ٣٣٨.
(٢) شرح قصيدة أبي فراس ١٤٩.
(٣) كامل ابن الأثير ٦ ص ٣٧ ، والكواكب الدريّة ١ ص ٥٦ ، وتذكرة الخواص ص ١٥٥.