عبد الله بن عمرو بن العاص لعابس بن سعيد ، الذي حثّه على البيعة ليزيد : أنا أعرف به منك ، وقد بعتَ دينك بدنياك (١). وقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي للشامي الذي أرسله مروان بن الحكم ليبايع ليزيد : يأمرني مروان أن أبايع لقوم ضربتهم بسيفي حتّى أسلموا! والله ما أسلموا ولكن استسلموا (٢). وقال زياد بن أبيه لعبيد بن كعب النميري : كتب إليّ معاوية في البيعة ليزيد ، وضمان أمر الإسلام عظيم ؛ إنَّ يزيد صاحب رسلة وتهاون مع ما اولع به من الصيد ، فأخبر معاوية عني ، وأخبره عن تهاون يزيد بأمر الدين وفعلاته المنكرة (٣).
وقد أنكر على معاوية سعيد بن عثمان بن عفان ، وفيما كتب إليه : إن أبي خير من أب يزيد ، وأمي خير من امّه ، وأنا خير منه (٤). وكان الأحنف بن قيس منكراً لها ، وكتب إليه يعرفه الخطأ فيما قصده من البيعة لابنه يزيد ، وتقديمه على الحسن والحسين مع ما هما عليه من الفضل والى من ينتميان ، وذكّره بالشروط التي أعطاها الحسن ، وكان فيها أن لا يقدم عليه أحداً ، وإن أهل العراق لم يبغضوا الحسنين منذ أحبوهما ، والقلوب التي أبغضوه بها بين جوانحهم (٥).
وحرص أبيُّ الضيم سيد الشهداء على نصح معاوية وارشاده إلى لاحب الطريق ، وتعريفه منكرات يزيد ، وإن له الفضل عليه بكل جهاته ، وفيما قال له : «إنّ اُمّي خير من اُمّه ، وأبي خير من أبيه». فقال معاوية : أمّا امّك ، فهي ابنة رسول الله (ص) ، فهي خير من امرأة من كلب. وأمّا حبي يزيد ، فلو اُعطيت به ملء الغوطة لما رضيت. وأمّا أبوك وأبوه ، فقد تحاكما إلى الله تعالى فحكم لأبيه على أبيك (٦).
إلى هنا سكت أبو عبد الله الحسين (ع) ؛ لأنه عرف ألا مقنع لابن آكلة الأكباد بالحقيقة ، وإنما لم يقل معاوية (إنّ أباه أفضل من أبيك) ؛ لعلمه بعدم سماع أحد منه ذلك ، ولشهرة سبق علي (ع) إلى الإسلام واجتماع المحامد
__________________
(١) القضاة للكندي ص ٣١٠ اوفست.
(٢) تهذيب تاريخ ابن عساكر ٦ ص ١٢٨.
(٣) تاريخ الطبري ٦ ص ١٦٩ (حوادث سنة ٥٦).
(٤) نوادر المخطوطات ـ الرسالة السادسة ص ١٦٥ في المغتالين لمحمد بن حبيب.
(٥) الإمامة والسياسة ١ ص ١٤١ ، مطبعة الاُمّة ـ مصر ص ١٣٢٨ ـ.
(٦) المثل السائر لابن الاثير ١ ص ٧١ باب الاستدراج ـ طبع مصر ص ١٣٥٨ ـ.