فيه ، وتقدّمه على غيره في الفضائل جمعاء ؛ لذلك عدل معاوية إلى الإيهام بايجاد شبهة المنافرة والمحاكمة ، وهذا ما يسمّيه علماء البلاغة بالاستدراج.
ومرّة اُخرى ، قال له سيد الشهداء أبو عبد الله (عليه السّلام) : «لقد فهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله سياسته لاُمّة محمّد (ص) ، تريد أن توهم على الناس كأنك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عمّا احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد من استقرائه الكلاب المهارسة (١) ، والحمام السبق ، والقَينات ذوات المعازف وضرب الملاهي تجده ناصراً ، ودع ما تحاول فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر مما أنت فيه ، فوالله ما برحت تقدم باطلاً في جور ، وحنقاً في ظلم حتّى ملأت الأسقية ، وما بينك وبين الموت إلا غمضة ، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود ، ولات حين مناص» (٢).
وكتب (عليه السّلام) إليه مرّة ثالثة : «إعلم إن لله عز وجل كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها ، وليس الله تعالى بناسٍ أخذك بالظنة ، وقتلك اولياءه على التُّهم ، ونفيك لهم عن دورهم إلى دار الغربة. أولست قاتل حجر أخي كندة والمصلين العابدين ؛ الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ولا يخافون في الله تعالى لومة لائم؟ أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله (ص) ، العبد الصالح الذي أبلته العبادة؛ فنحل جسمه ، واصفرّ لونه بعدما آمنته وأعطيته من عهود الله عز وجل ، ولو أعطيته طائراً لنزل إليك من رأس جبل ؛ جرأة منك على ربك ، واستخفافاً بذلك العهد؟ أولست المدّعي (ابن سمية) المولود على فراش عبيد ثقيف ، فزعمت أنه من أبيك وقد قال رسول الله (ص) : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، فتركت سنة رسول الله (ص) تعمداً ، واتبعت هواك بغير هدى من الله تعالى ، ثم سلطته على العراقين يقطع أيدي المسلمين ، ويُسمل أعينهم ، ويصلبهم على جذوع النخل. كأنك لست من هذه الاُمّة وليسوا منك!؟ أولست الكاتب لزياد أن يقتل كلَّ مَن كان على دين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ؛ فقتلهم ومثّل بهم بأمرك. ودين علي (ع) هو دين الله عز وجل الذي به ضرب أباك وضربك ، وبه جلست مجلسك الذي جلست؟
__________________
(١) في الآداب السلطانية لابن الطقطقي ص الفصل الأول صفحة ٣٨ : كان يزيد بن معاوية يلبس كلاب الصيد اساور الذهب ، والجلاجل المنسوجة منه ، ويهب لكل كلب عبداً يخدمه.
(٢) الإمامة والسياسة ١ ص ١٥٤.