وإنّ أخذك الناس ببيعة ابنك يزيد ، وهو غلام حدث يشرب الخمر ، ويلعب بالكلاب ؛ فقد خسرت نفسك ، وبترت دينك وأخرجت أمانتك» (١).
وكتب إليه مرة رابعة يعدد عليه بوائقه ؛ وذلك لما قتل زياد ابن أبيه مسلم بن زيمر ، وعبد الله بن نجي الحضرميَّين ، وصلبهما على أبواب دورهما بالكوفة أياماً ، وكانا من شيعة علي أمير المؤمنين (عليه السّلام). وفيما كتب إليه : «ألست صاحب حِجر والحضرميَّين اللذين كتب إليك ابن سمية أنهما على دين علي (عليه السّلام) ورأيه. فكتبت إليه : مَن كان على دين علي ورأيه فاقتله وامثل به ، فقتلهما ومثل بامرك بهما؟ ودينُ علي وابن عم علي الذي كان يضرب عليه أباك ، ويضربه عليه أبوك ، جلست مجلسك الذي أنت فيه. ولولا ذلك ، كان أفضل شرفك وشرف أبيك تجشم الرحلتين اللتين بنا منَّ الله عليك بوضعها عنكم .....»
في كلام طويل يوبّخه فيه بادّعائه زياداً ، وتوليته على العراقين (٢). ولم تُجدِ هذه النصائح من ابن الرسول (ص) في دحض باطل معاوية ، بعد أن سدّت بوارق الإرهاب ، وبواعثُ الطمع طريق الحقّ. لكن معاوية بدهائه المعلوم لم يرقه أن يمس الحسينَ (ع) سوءٌ ؛ خشية سوء الفتنة وانتكاث الأمر ، لما يعلمه أن (أبيَّ الضيم) لا يتنازل إلى الدنية إلى نفس يلفظه ، وأن شيعته يومئذ غيرهم بالأمس على عهد أخيه الإمام المجتبى ، فإنهم ما زالوا يتذمرون من عمّال معاوية ؛ للتنكيل الذريع بهم حتّى بلغ الحال ، أن الرجل منهم يستهين أن يقال له : زنديق ، ولا يقال له (ترابي)!.
وكم من مرة واجهوا الإمام المجتبى (ع) بكلام أمرّ من الحنظل مع اعترافهم له بالإمامة ، وإذعانهم بأن ما صدر منه عن صلاح إلهي ، وأمر ربوبي. وحتى أنهم استنهضوا الحسين (ع) غير مرّة فلم ينهض معهم ؛ رعاية للميثاق ، وإرجاء الأمر إلى وقته المعلوم لديه من جدّه (ص) ، وأبيه الوصي (ع).
فمعاوية يعلم أنه لو اُصيب الحسين (ع) بسوء ـ والحالة هذه ـ تلتف الشيعة حوله ؛ فيستفحل الخطب بينه وبين معاوية.
__________________
(١) رجال الكشي ص ٣٢ ط الهند ، ترجمة عمرو بن الحمق ، الدرجات الرفيعة ص ٤٣٤ ط النجف.
(٢) المحبر لابن حبيب ص ٤٧٩ ط حيدر آباد.