وللعلة هذه بعينها ؛ أوصى ولده يزيد بالمسالمة مع الحسين إن استبد بالأمر ، ومهما يجد من أبيِّ الضيم مخاشنة وشدة. فقال له : إنّ أهل العراق لن يدعوا الحسين حتّى يخرجوه ، فإن خرج عليك وظفرت به ، فاصفح عنه ، فإنّ له رحماً ماسة ، وحقاً عظيماً (١).
لكن (يزيد الجهل) ؛ لغروره المُردي لم يكترث بتلك الوصيّة ، فتعاورت عليه بوادره ، وانتكث فتله. ولئن سرَّ (يزيد الخزاية) الفتحُ العاجل ، فقد أعقب فشلاً قريباً ، وكاشفه الناس بالسباب المقذع ، وأكثروا باللائمة عليه حتّى ممّن لم ينتحل دين الإسلام.
وحديث رسول ملك الروم مع يزيد في المجلس ، حين شاهد الرأس الأزهر بين يديه يقرعه بالعود! أحدث هزّة في المجلس ، وعرف يزيد أنه لم تُجدِ فيهم التمويهات. وكيف تجدي وقد سمع من حضر المجلس صوتاً عالياً من الرأس المقدس ، لمّا أمر يزيد بقتل ذلك الرسول «لا حول ولا قوة إلا بالله» (٢)؟
وأي أحد رأى أو سمع قبل يوم الحسين (عليه السّلام) رأساً مفصولاً عن الجسد ينطق بالكلام الفصيح؟ وهل يقدر ابن ميسون أن يقاوم أسرار الله ، أو يطفئ نوره الأقدس؟ ... كلا.
ولقد فشا الإنكار عليه من حريمه وحامته حتّى أن زوجته هند (٣) لمّا أبصرت
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ ص ١٧٩.
(٢) عوالم الامام الحسين ص ١٥٠ للمحدث عبد الله البحراني ، ترجمته في روضات الجنات ص ٣٧٠ آخر ترجمة الشيخ عبد الله ابن الحاج صالح السماهيجي جامع الصحيفة العلوية.
(٣) قصة تزويج هند زوجة عبد الله بن عامر بن كريز من يزيد ، واجبار زوجها على الطلاق ، من الأساطير التي أراد واضعها الحطَّ من كرامة سيدي شباب أهل الجنة ؛ الحسن والحسين (عليهما السّلام) ، فرويت بصور مختلفة.
(الصورة الاولى) في مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ١٥١ ط النجف ، بالاسناد إلى يحيى بن عبد الله بن بشير الباهلي ، قال : كانت هند بنت سهيل بن عمرو عند عبد الله بن عامر بن كريز ، وكان عامل معاوية على البصرة. فاقطعه خراج البصرة على أن يتنازل عن زوجته هند ؛ لرغبة يزيد فيها. وبعد انتهاء العدّة أرسل معاوية أبا هريرة ومعه ألف دينار مهراً لها ، وفي المدينة ذكر أبو هريرة القصة للحسين بن علي (عليه السّلام) ، فقال : «اذكرني لهند». ففعل أبو هريرة ، واختارت الحسين فتزوجها ، ولمّا بلغه رغبة عبد الله بن عامر فيها ، طلّقها وقال له : «نِعم المُحلل كنت لكما». وفي اسناده يحيى بن عبد الله بن بشير الباهلي عن ابن المبارك وهو مجهول عند علماء الرجال.
(الصورة الثانية) في المصدر نفسه / ١٥٠ مسنداً عن الهذلي عن ابن سيرين : إن عبد الرحمن بن عناب بن اُسيد كان أبا عذرتها ، طلقها وتزوجها عبد الله بن عامر بن كريز. وذكر كما في الصورة الاولى