الطغاة ، فكيف به عزَّ وجل مع مَن اشتقّهم من الحقيقة الأحمدية التي هي من (الشعاع الأقدس) جلَّ شأنه ، فالتقى مبدأ فيّاض ، وذوات قابلة للافاضة؟ فلا بدع في كل ما ورد في حقّهم (ع) من علم الغيب ، والوقوف على أعمال العباد ، وما يحدث في البلدان ممّا كان ويكون.
فالغيب المدّعى فيهم (عليهم السّلام) ، غير المختص بالباري تعالى ؛ ليستحيل في حقّهم (عليهم السّلام) ، فإنه فيه ـ تعالى شأنه ـ ذاتي ، وأمّا في الأئمة (ع) ، فمجعول من الله سبحانه وتعالى. فبوساطة فيضه ولطفه ، كانوا يتمكنون من استعلام خواص الطبائع والحوادث.
فاذاً الغيب على قسمين : منه ما هو عين واجب الوجود ؛ بحيث لم يكن صادراً عن علّة غير ذات فاطر السماوات والأرضين ، ومنه ما كان صادراً عن علّة ، ومتوقفاً على وجود الفيض الالهي ، وهو ما كان موجوداً في الأنبياء والاوصياء (عليهم السّلام). وإلى هذا الذي قررناه تنبّه العلامة الآلوسي المفسّر ، فإنّه عند قوله تعالى : (قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ) قال : لعلّ الحقَّ أن يقال : إنّ علم الغيب للنفي عن غيره جلَّ وعلا هو ما كان للشخص بذاته ، أي بلا وساطة في ثبوته له. وما وقع للخواصّ ليس من هذا العلم المنفي في شيء ، وإنّما هو من الواجب عزّ وجلّ ، إفاضة منه عليهم بوجه من الوجوه ، فلا يقال : إنّهم علموا الغيب بذلك المعنى ، فإنه كفر. بل يقال : إنّهم اظهروا واطّلعوا على الغيب (١).
ويشهد له ما جاء عن أبي جعفر الجواد (ع) ، فإنّه لمّا أخبر اُمَّ الفضل بنت المأمون بما فاجأها ممّا يعتري النساء عند العادة ، قالت له : لا يعلم الغيب إلا الله ، قال (ع) : «وأنا أعلمه من علم الله تعالى» (٢).
فالائمة (عليهم السّلام) محتاجون في جميع الأوقات إلى الفضل الإلهي ؛ بحيث لولا دوام الاتصال وتتابع الفيوضات ، لنفد ما عندهم على حدِّ تعبير الإمام أبي عبد الله الصادق (ع) ، فإنّه قال : «لولا أنّا نزداد في كلّ ليلة جمعة ، لنفد ما عندنا» (٣). ومراده : التعريف
__________________
(١) روح المعاني ٢٠ ص ١١.
(٢) بحار الانوار ١٢ ص ٢٩.
(٣) اصول الكافي على هامش مرآة العقول ١ ص ١٨٥.