بأنّ علمهم مجعول من الباري تعالى ، وأنهم في حاجة إلى استمرار ذلك الفيض الأقدس ، وتتابع الرحمات السبحانية. والتخصيص بليلة الجمعة ، هو من جهة بركتها بنزول الألطاف الربانية فيها من أول الليل إلى آخره ، على العكس من سائر الليالي. وإلى هذا يرجع قول الامام الرضا (ع) : «يبسط لنا العلم فنعلم ، ويقبض عنا فلا نعلم» (١).
وهل يشك مَن يقرأ في سورة الجن : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) إن من كان من ربّه قاب قوسين أو أدنى ، هو خاتم الأنبياء ، الرسول المصطفى (ص) ؛ لأنه لم يفضّله أحد من الخلق. وكان الإمام أبو جعفر الباقر (ع) يقول : «كان والله محمّد ممن ارتضاه» (٢) ، ولم يبعد الله الخلفاء عن هذه المنزلة بعد اشتقاقهم من النور المحمدي ، ويشهد له جواب الرضا (ع) لعمرو بن هداب ، فإنه لمّا نفى عن الأئمة (عليهم السّلام) علم الغيب محتجاً بهذه الآية ، قال له : «إنّ رسول الله هو المرتضى عند الله ، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على غيبه ، فعلمنا ما كان ويكون إلى يوم القيامة» (٣). وكيف لا يكون حبيب الله هو ذلك الرسول المرتضى ، وقد شرّفه الباري سبحانه وتعالى بمخاطبته إياه بلا وسيط ملك؟!.
روي عن زرارة بن أعين ، أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الغشية التي كانت تأخذ رسول الله (ص) ، أهي عند الوحي؟. قال (ع) : «لا ، فإنها تعتريه عند مخاطبته الله عزَّ وجل إياه بلا وساطة أحد ، وأمّا جبرئيل ، فإنه لم يدخل عليه إلا مستأذناً ، فاذا دخل ، جلس بين يدي رسول الله (ص) جِلسة العبد» (٤). واذا كان رسول الله (ص) على حال لا ينبغي أن يؤذن له ، أقام في مكانه إلى أن يخرج الإذن ، والمكان الذي يقف فيه حيال الميزاب (٥).
وقد اذعن بالوحي بلا وساطة
__________________
(١) مختصر البصائر ص ٦٣.
(٢) بحار الانوار ١٥ ص ٧٤ ، وتحدث عن هذه الآية ابن حجر في فتح الباري ١٣ ص ٢٨٤ (كتاب التوحيد).
(٣) بحار الانوار ١٢ ص ٢٢ باب وروده البصرة ، وكذلك في ١٥ ص ٧٤.
(٤) التوحيد للصدوق ص ١٠٢ باب نفي الرؤية ، وعلل الشرائع ص ١٤ باب ٧ ، وعلم اليقين للفيض الكاشاني ص ٨٦.
(٥) بحار الانوار ١١ ص ٢١٦ باب احوال أصحاب الصادق (ع).