القتال مع الخوارج. ودلّ الحديث على إمامة سيّدنا عليّ ؛ لأنّ النبي (ص) شبّه قتال سيّدنا عليّ بقتاله على التنزيل ، وكان رسول الله (ص) محقّاً في قتاله على التنزيل ، فلزم أنْ يكون سيّدنا عليٌّ محقاً في قتاله بالتأويل. فلو لمْ يكن إمام حقٍّ لَما كان محقّاً في قتاله إيّاهم ؛ لأنّ الدعوة قد بلغتهم لكونهم في دار الإسلام ومن المسلمين ، ويجب على كلِّ مَن دعاه إلى قتالهم أنْ يجيبه إلى ذلك ، ولا يسعه التخلّف إذا كان عنده غنىً وقدرة ؛ لأنّ طاعة الإمام فيما ليس بمعصية فرض ، فكيف فيما هو طاعة؟ وما روي عن أبي حنيفة : إذا وقعت الفتنة بين المسلمين ، فينبغي للرجل أن يلزم بيته ، محمول على وقت خاص ؛ وهو ألا يكون إمام يدعوه إلى قتال ، وأمّا إذا كان ، فدعاؤه يفترض عليه الإجابة لِما ذكرنا (١).
وقال يحيى بن شرف النووي الشافعي ، المتوفّى سنة (٦٧٧) : كان عليّ هو المُحقُّ المصيب في تلك الحروب. وقال معظم الصحابة والتابعين وعامّة علماء الإسلام : يجب نصر المحقِّ في الفتن ، والقيام معه بمقاتلة الباغين. قال الله تعالى : (فَقَاتِلُوا الّتِي تَبغِي) ، وهذا هو الصحيح (٢).
وقال ابن همام الحنفي ، المتوفى سنة (٦٨١) : كان عليّ (ع) على الحقِّ في قتال الجمل وقتال معاوية بصفّين ، وقول النبي (ص) لعمّار : «تقتلك الفئة الباغية» وقد قتله أصحاب معاوية ، صريح بأنّهم بغاة. ولقد أظهرت عائشة النّدم ـ كما ذكره أبو عمرو في الإستيعاب ـ وقالت لعبد الله بن عمر : يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال لها : رأيت رجلاً قد غلبك ، يعني ابن الزبير. فقالت : أما لو نهيتني ، ما خرجتُ (٣).
وقال ابن تيمية ، المتوفّى سنة (٧٢٨) : لمّا قُتل عثمان ، بايعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، وهو أحقُّ بالخلافة حينئذ وأفضل مَن بقي ، لكن كانت القلوب متفرّقة ، ونار الفتنة موقدة ؛ فلمْ تتّفق الكلمة ولمْ تنتظم الجماعة ، ولم يتمكّن الخليفة
__________________
(١) بدائع الصنائع ٧ ص ١٤٠ أحكام المرتدين.
(٢) شرح صحيح مسلم (في هامش إرشاد الساري) ١٠ ص ٣٣٦ ، ٣٣٨.
(٣) فتح القدير ٥ ص ٤٦١ كتاب القضاء ـ أدب القاضي ، وفي تاريخ الطبري ٥ ص ٢٢١ قالت عائشة : وددت أََني متُّ قبل يوم الجمل بعشرين سنة. وفي العقد الفريد ٢ ص ٢٨٨ عند ذكر أصحاب الجمل ، ومعارف ابن قتيبة ص ٥٩ قيل لعائشة : ندفنك مع رسول الله (ص) قالت : لا.