الإسلام ، وكسح أشواك الباطل عن صراط شريعة العدل ، وتنبيه الاُمم على جرائم أعمال مَن يعبث بقداسة الدِّين. فكما أنّ النّبي (ص) أول ناهض لنشر الدعوة الإلهيّة ، يكون الحسين آخر ناهض لتثبيت دعامتها :
قد أصبح الدينُ منه شاكياً سقماً |
|
وما إلى أحدٍ غيرِ الحسين شكا |
فما رأى السبط للدين الحنيف شفا |
|
إلا إذا دمه في كربلا سُفكا |
وما سمعنا عليلاً لا دواء له |
|
إلا بنفس مداويه إذا هلكا |
بقتله فاح للإسلام نشرُ هدىً |
|
فكلّما ذكرته المسلمون ذكا (١) |
ولولا هذه المصارحة من (ابن القين) ، لَما أمكننا استطلاع ما اختبأ بين جوانحه من الولاء الأكيد لِمَن وجبت لهم العصمة من المهيمن سبحانه ، وقيّضهم أعلاماً لعباده وحفظة لشرعه ، مع أنّ التاريخ لم يسجّل له غير الموالاة (لعثمان بن عفّان) ، ومقت ابن الرسول الأطهر (ع).
أمّا موقف عابس بن أبي شبيب الشاكري يوم البيعة لمسلم بن عقيل بالكوفة ، ويوم الطفِّ ، فيفسِّر فضله الكثير ، وعقيدته الراسخة بمحبّة أهل البيت (عليهم السّلام) ، وإنّه لا يهمّه في سبيل حفظ الإمام (ع) ـ ولو في بعض الأناة ـ إزهاق نفسه ، وبذل كلِّ ما لديه من نفيس. فيقول لمسلم بن عقيل حينما شاهد تلك النفوس الخائنة متداكة على البيعة له : إني لا اُخبرك عن الناس ، ولا أعلم ما في نفوسهم وما أغرّك منهم. ووالله إني اُحدثك عمّا أنا موطّن نفسي عليه ؛ والله لأجيبنّكم إذا دعوتم ، ولاُقاتلنّ معكم عدوّكم ، ولأضربنّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله ، لا اُريد بذلك إلا ما عند الله (٢).
ففسّر بهذه الكلمة الموجزة نوايا القوم وخور عزائمهم ، وأنّهم مجبولون على الغدر والنّفاق ومتابعة الأهواء ، وأنّهم لم يرقهم المكاشفة في الميل عنه ؛ لئلا يعود ذلك فتّاً في عضد البيعة الواهية ، ومثاراً للإحن. فأجملوا القول وهم ينتظرون نواجم العاقبة ، وإلا فلم لم يحصل لمسلم بن عقيل الواحد من هؤلاء الآلاف مَن يدلّه على الطريق يوم اظلمت عليه الآفاق ، فلم يدرِ إلى أين يتوجّه؟!.
__________________
(١) من قصيدة في الحسين (ع) للسيد جعفر الحلي طبعت في ديوانه.
(٢) تاريخ الطبري ٦ ص ١٩٩.