نجرّب أنواع الجسم المختلفة من حديد ونحاس وحجر وغيرها مرّات متعددة ونجدها تتمدد بالحرارة فانا نجزم جزما باتّاً بان ارتفاع درجة حرارة الجسم من شأنها أن تؤثر التمدد في حجمه کما ان هبوطها يؤثر التقلص فيه. واکثر مسائل العلوم الطبيعية والکيمياء والطب من نوع المجربات.
وهذا الاستنتاج في التجربيات من نوع الاستقراء الناقص المبني على التعليل الذي قلنا عنه في الجزء الثاني انه يفيد القطع بالحکم. وفي الحقيقة أن هذا الحکم القطعي يعتمد على قياسين خفيين : استثنائي واقتراني يستعملهما الانسان في دخيلة نفسه وتفکيره من غير التفات غالبا.
والقياس الاستثنائي هکذا :
لو کان حصول هذا الاثر اتفاقيا لا لعلة توجبه لما حصل دائما.
ولکنه قد حصل دائما (بالمشاهدة) ... حصول هذا الاثر ليس اتفاقيا بل لعلة توجبه.
والقياس الاقتراني هکذا :
الصغري (نفس نتيجة القياس السابق) حصول هذا الاثر معلول لعلة
الکبري (بديهية أولية) کل معلول لعلة يمتنع تخلفة عنها ...
(ينتج من الشکل الاول) هذا الاثر يمتنع تخلفه عن علته
وهاتان المقدمتان للاستثنائي بديهيتان وکذا کبري الاقتراني فرجع الحکم في القضايا المجربات الى القضايا الاولية والمشاهدات في النهاية.
ثم لا يختفي انا لا نعني من هذا الکلام ان کل تجربة تستلزم حکما يقينيا مطابقا للواقع فان کثيرا من احکام سواد الناس المبنية على تجاربهم ينکشف خطأهم فيها اذ يحسبون ما ليس بعلة علة او ما کان علة ناقصة علة تامة او يأخذون ما بالعرض مکان ما بالذات.
وسر خطأهم ان ملاحظتهم للاشياء في تجاربهم لا تکون دقيقة على وجه تکفي