لصدق المقدمة الثانية للقياس الاستثنائي المتقدم لأنه قد يکون حصول الاثر في الواقع ليس دائميا فظن المجرب أنه دائمي اعتماداً على اتفاقات حسبها دائمية اما لجهل او غفلة أو لقصور ادراک او تسرع في الحکم فأهل جملة من الحوادث ولم يلاحظ فيها تخلف الاثر. وقد تکون ملاحظته للحوادث قاصرة بأن يلاحظ حوادث قليلة وجد حصول الاثر مع ما فرضه علة وفي الحقيقة ان العلة شيء آخر اتفق حصوله في تلک الحوادث فلذا لم يتخلف الاثر فيها. ولو استمر في التجربة وغيرّ فيما يجربه لوجد غير ما اعتقده أولا.
مثلا قد يجرب الانسان الخشب يطفؤ على الماء في عدة حوادث متکررة فيعتقدان ذلک خاصية في الخشب والماء فيحکم خطأ ان کل خشب يطفو على الماء ولکنه لو جرّب بعض أنواع الخشب الثقيل الوزن لوجد انه لا يطفو في الماء العذب بل قديرسب الى القعر او الى وسط الماء فانه لا شکل حينئذ بزول اعتقاده الاول. ولو غيّر التجربة في عدة اجسام غير الخشب ودقق في ملاحظته ووزن الاجسام والوسائل بدقة وقاس وزن بعضها ببعض لحصل له حکم آخر بأن العلة في طفو الخشب على الماء أن الخشب اخف وزنا من الماء. وتحصل له قاعدة عامة هي أن الجسم الجامد يطفو على السائل اذا کان أخف وزنا منه ويرسب الى القعر اذا کان أثقل وزنا والى وسطه اذا ساواه في الوزن فالحديد مثلا يرسب في الماء ويطفو في الزئبق لأنه أخف وزنا منه.
٤ ـ المتواترات
وهي قضايا تسکن اليها النفس سکونا يزول معه الشک ويحصل الجزم القاطع. وذلک بواسطة اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الکذب ويمتنع اتفاق خطأهم في فهم الحادثة کعلمنا بوجود البلدان النائية التي لم نشاهدها وبنزول القرآن
__________________
١ ـ هذا القيد الاخير لم يذكره المؤلفون من المنطقيين والاصوليين. وذكره ـ فيما أرى ـ لازم ، نظرا الى أن الناس المجتمعين كثيرا ما يخطئون في فهم الحادثة على وجهها ، حينما تقتضي الحادثة دقة الملاحظة. وقوانين علم الاجتماع تقضي بأن الجمهور لاتتأتى فيه الدقة في الملاحظة اذ سرعان ما تسري فيه العدوى والمحاكاة بعضهم لبعض ، فاذا تأثر بعضهم بالحادث المشاهد قد يقلده غيره من الحاضرين بالتأثر من حيث لا يشعر فيسري الى الاخرين. وعليه لا يحصل