مجرد عن الزمان والمکان فان العقل عندما يمنعها من تجسيمه وتمثيله کالمحسوس تهرب النفس من حکم العقل وتلتجيء الى أن تنکر وجوده رأسا شأن الملحدين.
ومن أجل هذا کان الناس لغلبة الوهم على نفوسهم بين مجسم وملحد. وقلّ من يتنور بنور العقل ويجرد نفسه عن غلبة اوهامها فيسمو بها الى ادراک ما لا يناله الوهم. ولذا قال تعالي في کتابه المجيد : (وما اکثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) فنفي الايمان عن أکثر الناس. ثم هؤلاء المؤمنون القليلون قال عنهم : (وما يؤمن أکثرهم بالله الا وهم مشترکون) يعني انهم في حين ايمانهم هم مشرکون. وما ذلک الا لانهم لغلبة الوهم انما يعبدون الاصنام التي ينحتونها بأوهامهم والا کيف يجتمع الايمان والشرک في آن واحد اذا اريد بالشرک من الآية معناه المعروف وهو العبادة للاصنام الظاهرية.
والخلاصة ان القضايا الوهمية الصرفة التي نسميها (الوهميات) هي عبارة عن احکام الوهم في المعاني المجردة عن الحسّ. وهي قضايا کاذبة لا ظل لها من الحقيقة ولکن بديهة الوهم لا تقبل سواها. ولذلک يستخدمها المغالط في اقيسته کما سيأتي في (صناعة المغالطة). الا ان العقل السليم من تأثير الوهم يتجرد عند ولا يخضع لحکمه فيکشف کذب احکامه للنفس.