بل نتعدي بها الى التحرير والمکاتبة. وفي هذه العصور لا سيما الاخيرة منها بعد انتشار الطباعة والصحف اکثر ما تجري المناقشات والمجادلات في الکتابة وتبتني على المسلمات والمشهورات على غير الطريقة البرهانية من دون ان تتألف صورة سؤال وجواب. ومع ذلک نسميها قياسات جدلية أو ينبغي أن نسميها کذلک وتشملها کثير من اصول صناعة الجدل وقواعدها فلا ضير في دخولها في هذه الصناعة وشمول بعض قواعدها وآدابها لها.
ـ ٧ ـ
مبادئ الجدل
اشرنا فيما سبق الى ان مباىء الجدل الاولية التي تعتمد عليها هذه الصناعة هي المشهورات والمسلمات وان المشهورات مباديء مشترکة بالنسبة الى السائل والمجيب والمسلمات مختصة بالسائل.
کما أشرنا الى ان المشهورات يجوز أن تکون حقا واقعا وللجدلي ان يستعملها في قياسه. أما استعمال الحق غير المشهور بما هو حق في هذه الصناعة فانه يعد مغالطة من الجدلي لانه في استعمال أية قضية لا يدعي انها في نفس الامر حق. وانما يقول : ان هذا الحکم ظاهر واضح في هذه القضية ويعترف بذلک الجميع ويکون الحکم مقبولا لدي کل أحد.
ثم انا أشرنا في بحث (المشهورات) ان للشهرة اسبابا توجبها وذکرنا أقسام المشهورات حسب اختلاف اسباب الشهرة فراجع. والسر في کون الشهرة لا تستغني عن السبب أن شهرة المشهور ليست ذاتية بل هي أمر عارض وکل عارض لا بد له من سبب. وليست هي کحقيقة الحق التي هي أمر ذاتي للحق لا تعلل بعلة.
وسبب الشهرة لا بد ان يکون أمرا تألفه الاذهان وتدرکه العقول بسهولة ولولا ذلک لما کان الحکم مقبولا عند الجمهور وشايعا بينهم.
وعلى هذا يتوجه علينا سؤال وهو : اذا کانت الشهرة لا تستغني عن السبب فکيف جعلتم المشهورات من المباديء الاولية أي ليست مکتسبة؟