.................................................................................................
______________________________________________________
التبليغ عن عصر التشريع بإيداع بيانه من النبيّ إلى الإمام ليظهره في ظرفه المناسب له حسب المصالح الوقتيّة الباعثة على ذلك ، بل قد يظهر من بعض النصوص أنّ جملة من الأحكام لم تنشر لحدّ الآن وأنّها مودعة عند وليّ العصر (عجّل الله تعالى فرجه) وهو المأمور بتبليغها متى ما ظهر وملأ الأرض قسطاً وعدلاً. فالأمر على هذا المبنى الحاسم لمادّة الإشكال ظاهر لا سترة عليه.
وإمّا مع الغض عن ذلك فبإبداء الفرق بين الزكاة والخمس ، نظراً إلى أنّ الأوّل ملك للفقراء وحقّ يصرف في مصالح المسلمين ، وهو (صلّى الله عليه وآله) مأمور بالأخذ ، قال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) إلخ (١) ، فمقدّمة للأخذ الواجب عليه لا محيص له (صلّى الله عليه وآله) من بعث العمّال لجباية الزكوات.
وأمّا الخمس فهو حقّ له (صلّى الله عليه وآله) ولأقربائه ، فيشبه الملك الشخصي ، حيث لا تعود فائدته لعامّة المسلمين ، ومن ثمّ لم يؤمر في مورده إلّا بمجرّد التبليغ كما في سائر الأحكام من الصلاة والصيام دون الأخذ ، فلم يكن ثَمّة باعث على جبايته ، بل قد لا يناسب ذلك شأنه وجلالته كما لا يخفى. فلا مجال لقياس الخمس على الزكاة ، فإنّه مع الفارق الواضح حسبما عرفت.
وبالجملة : فعلى تقدير تسليم عدم بعث العمّال لأخذ الأخماس فهذا لا يكشف عن عدم الوجوب بوجه ، كيف؟! ووجوب الخمس في الركاز ممّا أصفقت عليه العامّة ورووا فيه روايات كثيرة (٢) ، ومع ذلك لم ينقل ولا في مورد واحد أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أو من بعده بعث أحداً لجبايته ، فعدم البعث والحثّ للأخذ لازمٌ أعمّ لعدم الوجوب فلا يكشف عنه أبداً.
على أنّ العامّة قد رووا هذا الخمس عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، فقد
__________________
(١) التوبة ٩ : ١٠٣.
(٢) راجع عمدة القارئ في شرح البخاري ٩ : ٩٩ باب ما يجب فيه الخمس الركاز.