.................................................................................................
______________________________________________________
ثانيهما : المصارف غير الضروريّة ممّا يكون باختيار الإنسان له أن يفعل وأن لا يفعل ، كالهبة اللّائقة بشأنه والحجّ المندوب والزيارات وما يصرف في سبيل الخيرات والمبرّات ، فإنّ هذه أيضاً تعدّ من المؤن. ومن ثمّ جاز الصرف فيها من غير تخميس كما تقدّم ، وليست محدودة بحدّ ، كما أنّ الجواز لم يكن منوطاً بالصرف الخارجي ، فهو ثابت حتى في حقّ من يقطع من نفسه بعدم الصرف في هذه السنة في شيء من ذلك.
وقد تقدّم في المقام الأوّل أنّ الخمس وإن تعلّق من لدن ظهور الربح لكنّه مشروط وضعاً أو تكليفاً بعدم الصرف في المئونة بقسميها بنحو الشرط المتأخّر على ما استفدناه من قوله (عليه السلام) : «الخمس بعد المئونة» حسبما تقدّم (١).
وقد ذكرنا في الأُصول : أنّ الواجب المشروط لا ينقلب إلى الواجب المطلق بحصول شرطه فضلاً من العلم به ، فالحجّ مثلاً مشروط بالاستطاعة دائماً حتى بعد حصولها وتحقّقها خارجاً ، فإنّ موضوع الحكم لا ينقلب عمّا هو عليه بوجه ، ولأجل ذلك كان الواجب المهمّ المشروط بعصيان الأهمّ مشروطاً مطلقاً حتى مع فعليّة العصيان ، كما فصّلنا البحث حول ذلك في مبحث الترتّب مشبعاً (٢).
وعليه ، فلو فرضنا القطع بعدم الصرف في المئونة إلى نهاية السنة بحيث تيقّنّا بحصول الشرط مع ذلك لم يجب الأداء فعلاً وإن كان متعلّقاً للخمس فيجوز التأخير ، وذلك لجواز الصرف في المئونة من غير إناطة بفعليّة الصرف كما عرفت ، فإذا جاز الصرف المزبور جاز الإبقاء إلى نهاية السنة بطبيعة الحال ، ومن الضروري أنّ جواز الصرف أو الإبقاء لا يجتمع مع وجوب الأداء فعلاً.
__________________
(١) في ص ٢٠٩.
(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ١١٥ ١٢٤.