وروى زيد الشحّام ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «ما أعطى الله نبيّا من الأنبياء شيئا إلّا وقد أعطى محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم. قال لسليمان : (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (١).
وقال لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)».
وفي هذه الآية دلالة على أنّ تدبير الأمّة إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وإلى الأئمّة القائمين مقامه. ولهذا قسّم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أموال خيبر ، ومنّ عليهم في رقابهم ، وكذا منّ على أهل مكّة ، وأجلى بني النضير وبني قينقاع ، وأعطاهم شيئا من المال ، وقتل رجال بني قريظة ، وسبى ذراريهم ونساءهم ، وقسّم أموالهم على المهاجرين ، كما قال الله عزوجل :
(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) بدل من (لِذِي الْقُرْبى) وما عطف عليه ، فإنّ الرسول لا يسمّى فقيرا ، لترفّعه عن هذه التسمية ، ولقوله : «وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ» (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) فإنّ كفّار مكّة أخرجوهم وأخذوا أموالهم (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) حال مقيّدة لإخراجهم بما يوجب تفخيم شأنهم (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) بأنفسهم وأموالهم (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) الّذين ظهر صدقهم في إيمانهم.
قال الزجّاج : بيّن سبحانه من المساكين الّذين لهم الحقّ بقوله : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ). ثمّ ثنّى سبحانه بوصف الأنصار ومدحهم ، حتّى طابت أنفسهم عن الفيء ، فقال :
(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) عطف على «المهاجرين». والمراد بهم الأنصار الّذين لزموا المدينة والإيمان ، وتمكّنوا فيهما. وقيل : المعنى : تبوّؤا دار الهجرة ودار الإيمان. فحذف المضاف من الثاني ، والمضاف إليه من الأوّل ، وعوّض عنه اللام. أو تبوّؤا الدار وأخلصوا الإيمان ، كقوله : علفتها تبنا وماء باردا. وقيل :
__________________
(١) ص : ٣٩.