وذلك أنّهم طلبوا حرمان المساكين ، فتعجّلوا الحرمان والمسكنة. أو وغدوا على محاردة جنّتهم وذهاب خيرها قادرين على إصابة خيرها ومنافعها ، أي : غدوا حاصلين على الحرمان مكان الانتفاع. أو لمّا قالوا : اغدوا على حرثكم وقد خبثت نيّتهم عاقبهم الله تعالى ، بأن حاردت جنّتهم وحرموا خيرها ، فلم يغدوا على حرث ، وإنّما غدوا على حرد.
و «قادرين» على عكس الكلام للتهكّم ، أي : قادرين على ما عزموا عليه من الصرام وحرمان المساكين. وعلى هذا «على حرد» ليس بصلة «قادرين».
وقيل : الحرد بمعنى الحرد ، أي : لم يقدروا إلّا على حنق وغضب بعضهم على بعض ، كقوله : (يَتَلاوَمُونَ) (١).
وقيل : الحرد القصر والسرعة. يقال : حردت حردك. قال :
أقبل سيل جاء من أمر الله |
|
يحرد حرد الجنّة المغلّة (٢) |
يعني : وغدوا قاصدين إلى جنّتهم بسرعة ونشاط ، قادرين عند أنفسهم ، يقولون : نحن نقدر على صرامها وزيّ (٣) منفعتها عن المساكين.
وقيل : حرد علم للجنّة ، أي : غدوا على تلك الجنّة قادرين على صرامها عند أنفسهم ، أو مقدّرين أن يتمّ لهم مرادهم. من الصرام والحرمان. كلّ ذلك نقلت عن الكشّاف (٤).
(فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا) في بديهة وصولهم (إِنَّا لَضَالُّونَ) طريق جنّتنا ، وما هي بها (بَلْ نَحْنُ) أي : بعد ما تأمّلوا وعرفوا أنّها هي (مَحْرُومُونَ) حرمنا
__________________
(١) القلم : ٣٠.
(٢) يصف الشاعر سيلا بالكثرة. يقول : جاء سيل من عند الله ، يسرع إسراع الجنّة المغلّة ، أي : كثيرة الغلّة والخير. وإسراع الجنّة ـ أي : البستان ـ : ظهور خيرها في زمن يسير.
(٣) زوى يزوي زيّا الشيء : منعه.
(٤) الكشّاف ٤ : ٥٩٠ ـ ٥٩١.