جعله مصدرا ، لأنّ التقوّل لا يكون إلّا كذبا.
والمعنى : كان في ظنّنا أنّ أحدا من الثقلين لن يكذب على الله ولن يفتري عليه ما ليس بحقّ ، من اتّخاذ الشريك معه والصاحبة والولد ، فكنّا نصدّقهم فيما أضافوا إليه من ذلك ، حتّى تبيّن لنا بالقرآن كذبهم وافتراؤهم.
وفي هذا دلالة على أنّهم كانوا مقلّدين ، حتّى سمعوا الحجّة وانكشف لهم الحقّ ، فرجعوا عمّا كانوا عليه. وفيه إشارة إلى بطلان التقليد في التوحيد ، ووجوب اتّباع الدليل.
(وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) وذلك لأنّ الرجل كان إذا أمسى بقفر قال : أعوذ بسيّد هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه. يريد كبير الجنّ.
فإذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا : سدنا الجنّ والإنس. وكان هذا منهم على حسب اعتقادهم أنّ الجنّ يحفظهم. وعن مقاتل : أوّل من تعوّذ بالجنّ قوم من اليمن ، ثمّ بنو حنيفة ، ثمّ فشا في العرب.
(فَزادُوهُمْ) فزادوا الجنّ باستعاذتهم بهم (رَهَقاً) كبرا وعتوّا وطغيانا. أو فزاد الجنّ الإنس غيّا ، بأن أضلّوهم لاستعاذتهم بهم. والرهق في الأصل غشيان المحارم.
(وَأَنَّهُمْ) وأنّ الإنس (ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ) أيّها الجنّ. وهو من كلام الجنّ يقوله بعضهم لبعض. أو استئناف كلام من الله. ومن فتح «أنّ» فيهما جعلهما من الموحى به. والضمير في (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا) للجنّ. والخطاب لكفّار قريش ، أي : ظنّ الجنّ كما ظننتم أيّها الكفّار (أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) هذا سادّ مسدّ مفعولي «ظنّوا».
(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) طلبنا بلوغ السماء واستماع كلام أهلها. واللّمس مستعار من المسّ للطلب ، لأنّ الماسّ طالب متعرّف. يقال : لمسه والتمسه وتلمّسه ، كطلبه واطّلبه وتطلّبه. ونحوه : الجسّ. يقال : جسّوه بأعينهم وتجسّسوه.