(فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً) حرّاسا. اسم جمع ، كالخدم بمعنى الخدّام (شَدِيداً) أي : قويّا. ولو ذهب إلى معناه الجمعيّ لقيل : شدادا. وهم الملائكة يمنعونهم عنها. (وَشُهُباً) جمع شهاب. وهو شيء مضيء متولّد من النار.
(وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) مقاعد خالية عن الحرس والشهب ، أو صالحة للترصّد والاستماع. و «للسمع» صلة لـ «نقعد» أو صفة لـ «مقاعد». (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) شهابا راصدا له ولأجله يمنعه عن الاستماع بالرجم. أو ذوي شهاب راصدين بالرجم ، على أنّه اسم جمع للراصد. وهم الملائكة الّذين يرجمونهم بالشهب ، ويمنعونهم من الاستماع.
واعلم أنّ بعضهم قالوا : إنّ الرجم لم يكن في الجاهليّة أصلا ، وحدث بعد مبعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو إحدى آياته. والأصحّ أنّه كان قبل المبعث ، ولكنّ الشياطين كانت تسترقّ في بعض الأحوال ، فلمّا بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كثر الرجم وزاد زيادة ظاهرة ، حتّى تنبّه لها الإنس والجنّ ، ومنع الاستراق رأسا.
وعن البلخي : أنّ الشهب كانت لا محالة فيما مضى من الزمان ، غير أنّه لم يكن يمنع بها الجنّ عن صعود السماء ، فلمّا بعث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم منع بها الجنّ منه.
وعن معمر قلت للزهري : أكان يرمى بالنجوم في الجاهليّة؟ قال : نعم. قلت : أرأيت قوله : (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ)؟ فقال : غلظت الرجمة وشدّد أمرها حين بعث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وفي قوله : «ملئت» دليل على أنّ الحادث هو الملء والكثرة. وكذلك قوله : (نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ) أي : كنّا نجد فيها بعض المقاعد خالية من الحرس والشهب ، والآن ملئت المقاعد كلّها. وهذا سبب ما حملهم على الضرب في البلاد حتّى عثروا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم واستمعوا قراءته. يقولون : لمّا حدث هذا الحادث من كثرة الرجم ومنع الاستراق ، قلنا : ما هذا إلّا لأمر أراده الله بأهل الأرض.