تعجّبا ممّا رأوا من عبادته ، واقتداء أصحابه به قائما وراكعا وساجدا ، فسمعوا من قراءته. أو كاد الإنس والجنّ يكونون عليه مجتمعين لإبطال أمره.
وعن قتادة : تلبّدت الإنس والجنّ على هذا الأمر ليطفؤه ، فأبى الله إلّا أن ينصره ويظهره على من ناواه.
ومن قرأ «وإنّه» بالكسر جعله من كلام الجنّ ، قالوه لقومهم حين رجعوا إليهم ، حاكين ما رأوا من صلاته وازدحام الصحابة عليه في ائتمامهم به.
واللبد جمع لبدة ، وهو ما تلبّد بعضه على بعض ، كلبدة الأسد. وعن ابن عامر برواية هشام : لبدا بضمّ اللام ، جمع لبدة ، وهي لغة.
(قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) أي : قال عبد الله للجنّ عند ازدحامهم متعجّبين : ليس ما ترون من عبادتي الله ورفضي الإشراك بالله بأمر يتعجّب منه ، إنّما يتعجّب ممّن يدعو غير الله ويجعل له شركاء. أو قال للمتظاهرين عليه : إنّما أدعو ربّي. يريد : ما أتيتكم بأمر منكر ، إنّما أعبد ربّي وحده ، ولا أشرك به أحدا ، وليس ذلك ممّا يوجب إطباقكم على مقتي وعداوتي. أو قال الجنّ لقومهم ذلك حكاية عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقرأ عاصم وحمزة : قل ، على الأمر للنبيّ ، ليوافق قوله : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) ولا نفعا. أو غيّا ولا رشدا. والمعنى : لا أستطيع أن أضرّكم وأن أنفعكم ، إنّما الضارّ والنافع الله. أو لا أستطيع أن أقسركم على الغيّ والرشد ، إنّما القادر على ذلك الله عزوجل.
(قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) إن أراد بي سوءا ، من مرض أو موت أو غيرهما (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) ملتجأ يؤوى إليه. وأصله : المدّخل ، من اللحد. وقيل : محيصا ومعدلا.
(إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ) استثناء من قوله : «لا أملك» فإنّ التبليغ إرشاد وإنفاع ،