كأنه قال : ولكن أنفع متى ما أملك الضرّ ، قال أبو العباس رحمه الله : أما قوله : آتيك إن أتيتني فغير منكر ولا مرفوع استغنى عن الجواب بما تقدم.
ولم تجزم (إن) شيئا فيحتاج إلى جواب مجزوم أو شيء في مكانه.
وأما قولهم : وإن أتاه خليل يوم مسألة تقول على القلب فهو محال ، وذلك كان الجواب حقه أن يكون بعد (إن) وفعلها الأول وإنما يعني بالشيء موضعه إذا كان في غير موضعه نحو : ضرب غلامه زيد ؛ لأن حد الكلام أن يكون بعد زيد وهذا قد وقع في موضعه من الجزاء فلو جاز أن يعني به التقديم لجاز أن تقول : ضرب غلامه زيدا. تريد : ضرب زيدا غلامه ، وأما ما ذكره من (من ومتى) وسائر الحروف فإنه يستحيل في الأسماء منها والظروف من وجوه في التقديم والتأخير لأنك إذا قلت : آتي من أتاني وجب أن تكون (من) منصوبة بقولك : أتى ونحوه وحروف الجزاء لا يعمل فيها ما قبلها فليس يجوز هذا إلا أن تريد بها معنى الذي و (متى) إذا قلت : آتيك متى أتيتني فمتى للجزاء وهي ظرف (لأتيتني) ؛ لأن حروف الجزاء لا يعمل فيها ما قبلها ولكن الفعل الذي قبل متى قد أغنى عن الجواب كما قلت في الجواب : أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم ، منقطع من (إن) وقد سدّ مسدّ جواب (متى) و (إن) لم تكن منها في شيء ؛ لأن (متى) منصوبة (بيأتيني) ؛ لأن حروف الجزاء من الظروف والأسماء إنما يعمل فيها ما بعدها وهو الجزاء الذي يعمل فيه الجزم.
والباب كله على هذا لا يجوز غيره ولو وضع الكلام في موضعه لكان تقديره : متى أتيتني فآتيك أي : فأنا آتيك وإنما قوله (من) يأتها فمحال أن يرتفع (من) بقولك : لا يضيرها ومن مبتدأ كما لا تقول : زيد يقوم فترفعه (بيقوم) وكل ما كان مثله فهذا قياسه وهذه الأبيات التي أنشدت كلها لا تصلح إلا على إرادة الفاء في الجواب.
كقوله : (الله يشكرها) لا يجوز إلا ذلك.
وتقول : إن الله أمكنني من فلان فعلت : فتلى (إن) الاسم إلا أنك تضمر فعلا يليها يفسره (أمكنني) كما تفعل بألف الاستفهام.
وزعم سيبويه أنه جاز فيها ما امتنع في غيرها لأنها أصل الجزاء.