وكذلك ننظر إلى الأعراض الضروريات المعلومات ، فإنّها اشتركت في كونها أعراضاً ، ثم افترقت وانقسمت بين شهوةٍ ونفرةٍ ، وحياةٍ وقدرةٍ ، ويبوسةٍ ورطوبة ، وطُعومٍ مكروهة ومحبوبة ، وروائح شتى ، وحرّ وبرد ، ووجاء وفناء ، وألوان متضادّة على المحل ، وموت يقطع الرزق والأمل.
فنعرف أنّه لابد من مخالف خالف بينها ، وأحدث ماشاهدنا حدوثه منها ، وأنّه غيرٌ لها ، لأنّها لاتُحدِث نفسها ، إذ الشيء لايُحدثُ نفسه ، لأنّه يُوَدّي إلى أن يكون قَبلَ نفسه ، وغيراً لها ، وكذلك لاتصوّر أنفسها ، ولاتخالف بين هيئتها ، ولايقع ذلك بشيء مما يقوله الجاهلون ، من طبع أو مادّة ، أو فلك ، أو نجم ، أو علّة ، أو عقل ، أو روح ، أو نفس ، أو غير ذلك مما يقولونه ؛ لأنّ ذلك إن كان من قبيل الموجبات لم تخلُ : أن تكون موجودة ، أو معدومة. والموجودة لا تخل : أن تكون قديمة ، أو محدثة. ولايجوز ثبوت ذلك لعلّة قديمة ولامعدومة ، لأنّه لو كان كما زعموا لكان يلزم وجود العالم بما فيه في الأزل ، واستغناوَه عن تلك العلل.
ولا يجوز أن يكون ثبوت ذلك لعلّة محدثة ، لأنّها لاتخلو : إمّا أن تكون مماثلة لما تقدم [ منها ] ، أو مخالفة [ له ] ، إن كانت مماثلة وجب أن يكون معلولها متماثلاً ، وفي علمنا باختلاف ذلك العالم دلالة على بطلان القول بأنّه عن علة مماثلة أو علل متماثلات.
ولا يجوز أن يكون لعلة مخالفة ، ولا علل مخالفة ، لأنّها حينئذ تكون قد شاركت العالم في الاختلاف ؛ الذي لأجله احتاج إليها ، فيدور الكلام إلى ما لا يعقل ولا ينحصر من العلل.
فيجب الاقتصار على المحقّق المعلوم ، والقضاء بأنّ الذي أحدثها وصوّرها ، وخالف بينها هو الفاعل المختار ، وهو الحيّ القيوم.