أسيّدنا قاضي القضاة ومن إذا |
|
بدا وجهه استحيى له القمران |
ومن كفّه يوم النّدى ويراعه |
|
على طرسه بحران يلتقيان |
ومن إن دجت في المشكلات مسائل |
|
جلاها بفكر دائم اللّمعان |
رأيت كتاب الله أكبر معجز |
|
لأفضل من يهدى به الثّقلان |
ومن جملة الإعجاز كون اختصاره |
|
بإيجاز ألفاظ وبسط معان |
ولكنّني في الكهف أبصرت آية |
|
بها الفكر في طول الزّمان عناني |
وما هي إلّا استطعما أهلها فقد |
|
نرى استطعماهم مثله ببيان |
فما الحكمة الغرّاء في وضع ظاهر |
|
مكان ضمير إنّ ذاك لشان |
فأرشد على عادات فضلك حيرتي |
|
فمالي بهذا يا إمام يدان |
فأجابه بما نصّه : قوله : (اسْتَطْعَما أَهْلَها) متعيّن واجب ، ولا يجوز مكانه «استطعماهم» لأنّ «استطعما» صفة للقرية في محل خفض جارية على غير من هي له كقولك : أهل قرية مستطعم أهلها ؛ لو حذفت «أهلها» هنا ، وجعلت مكانه ضميرا لم يجز ، فكذلك هذا. ولا يسوغ من جهة العربية شيء غير ذلك ، إذ «استطعما» صفة لقرية ، وجعله صفة لقرية سائغ عربي لا تردّه الصناعة ولا المعنى ، بل أقول : إن المعنى عليه. أمّا كون الصناعة لا تردّه فلانه ليس فيه إلا وصف نكرة بجملة ، كما توصف سائر النكرات بالجمل. والتركيب محتمل لثلاثة أعاريب ، أحدهما : هذا ، والثاني : أن تكون الجملة في محل نصب صفة ل «أهل» ، والثالث : أن تكون الجملة جواب «إذا» ، والأعاريب منحصرة في الثلاثة لا رابع لها. وعلى الثاني والثالث يصحّ أن يقال : «استطعماهم» ، وعلى الأول : لا يصح لما قدمناه. فمن لم يتأمل الآية كما تأملناها ظن أن الظاهر وقوع موقع المضمر أو نحو ذلك ، فغاب عنه المقصود. ونحن بحمد الله وفقنا الله للمقصود ، ولمحنا تعيّن الإعراب الأول من جهة معنى الآية ومقصودها ، وأنّ الثاني والثالث وإن احتملهما التركيب بعيدان عن مغزاها.
أمّا الثالث هو كونه جواب «إذا» ، فلأنه تصير الجملة الشرطية معناها الإخبار باستطعامهما عند إتيانهما ، وأن ذلك تمام معنى الكلام. ويجلّ مقام موسى والخضر عليهما السّلام عن تجريد قصدهما إلى أن يكون معظمه أو هو طلب طعمة أو شيئا من الأمور الدّنيوية ، بل كان القصد ما أراد ربّك أن يبلغ اليتيمان أشدّهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربّك ، وإظهار تلك العجائب لموسى عليه السّلام.
فجواب «إذا» قوله : (قالَ لَوْ شِئْتَ) [الكهف : ٧٧] إلى تمام الآية.
وأما الثاني : وهو كونه صفة ل «أهل» في محلّ نصب فلا تصير العناية إلى شرح