«معناه : الذي يجلّه الموحّدون عن التشبيه بخلقه ، أو الذي يقال له : ما أجلّك وأكرمك» (١).
وقال أيضا : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) [الكهف : ٢٦] أي : «جاء بما دلّ على التعجّب من إدراكه للمسموعات والمبصرات للدّلالة على أن أمره في الإدراك خارج عن حدّ ما عليه إدراك السامعين والمبصرين ، لأنّه يدرك ألطف الأشياء وأصغرها ، كما يدرك أكبرها حجما وأكثفها جرما ، ويدرك البواطن كما يدرك الظواهر» (٢).
وذكر أبو محمّد بن عليّ بن إسحاق الصّيمريّ في كتاب (التّبصرة والتذكرة في النّحو) : «وإذا قلت : «ما أعظم الله» فذلك الشيء عباده الذين يعظّمونه ويعبدونه ، ويجوز أن يكون ذلك الشيء هو ما يستدلّ به على عظمته من بدائع خلقه ، ويجوز أن يكون ذلك هو الله عزّ وجلّ فيكون لنفسه عظيما لا لشيء جعله عظيما ، ومثل هذا يستعمل في كلام العرب كما قال الشاعر (٣) : [الرجز]
نفس عصام سوّدت عصاما
انتهى. وهو كالأنباري. وقال المتنبيّ : [البسيط]
٦٣٢ ـ ما أقدر الله أن يخزي خليقته |
|
ولا يصدّق قوما في الّذي زعموا |
قال الواحديّ في شرحه : يقول : «الله تعالى قادر على إخزاء خليقته بأن يملّك عليهم لئيما ساقطا من غير أن يصدّق الملاحدة الذين يقولون بقدم الدّهر.
يشير إلى أنّ تأمير مثله إخزاء للنّاس ، والله تعالى قد فعل ذلك عقوبة لهم ، وليس كما تقول الملاحدة» (٤).
وقال ابن الدّهّان في (شرح الإيضاح) : فإن قيل : فإذا قدّرت (ما) تقدير شيء فما تصنع ب «ما أعظم الله» فالجواب من وجوه : أحدها : أن يكون الشيء نفسه ، ويجوز أن يكون ما دلّ عليه من مخلوقاته. الثالث : من يعظّمه من عباده. الرابع : أن تكون الأفعال الجارية عليه بحملها على ما يجوز من صفاته تعالى فيحمل على أنّه عظيم في نفسه. وقال الزّمخشريّ في : (ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١] : «المعنى تنزيه الله تعالى من صفات العجز ، والتعجّب من قدرته على خلق جميل مثله. وأمّا
__________________
(١) انظر الكشّاف (٤ / ٤٦).
(٢) انظر الكشاف (٢ / ٤٨١).
(٣) مرّ الشاهد رقم (٦٢٩).
٦٣٢ ـ الشاهد في ديوانه (ص ٦٨٩ ، شرح الواحدي).