وكذا قولنا : «لا إله إلّا الله وحده» ، أنّا أفردناه بالوحدانيّة. فانظر كيف تجد المعنى في ذلك كلّه سواء.
فإذا قلت : «حمدت الله وحده» أو «ذكرت ربّك وحده» فمعناه وتقديره عند سيبويه : موحدا إيّاه بالحمد والذّكر ، على أنّها حال من الفاعل ، والحاء في (موحدا) مكسورة ، وعلى رأي ابن طلحة موحدا هو والحاء مفتوحة. وعلى رأي هشام معناه : حمدت الله وذكرته على انفراده.
فهذه التقادير الصناعية الثلاثة ، والمعنى لا يختلف إلّا اختلافا يسيرا ؛ فإذا جعلناه من (أوحد) الرّباعي ، فمعناه (موحد) بالمعنيين المتقدّمين ، وإذا جعلناه من (وحد) الثلاثي فمعناه : منفردا بذلك ، وعلى الأول الحامد والذاكر أفرده بذلك ، وعلى الثاني : هو انفرد بذلك ، والعامل في الحال حمدت وذكرت ، وصاحب الحال الاسم المنصوب على التعظيم ، أو الضمير الذي في حمدت وذكرت على القولين.
وإذا قلت : «الحمد لله وحده» فالعامل في الحال المستقرّ المحذوف الذي هو الخبر في الحقيقة ، وهو العامل في الجارّ والمجرور ، وصاحب الحال الله ، و (وحده) حاله. وإن جعلته ظرفا فالمعنى الحمد لله على انفراده ، فلم يختلف المعنى اختلافا مخلّا بالمقصود.
إذا قلنا : «لا إله إلا الله وحده» : فإمّا أن نقول : معناه على انفراده إن جعل ظرفا ، أو متفرّدا بالوحدانية ، أو مفردا بها على الاختلاف في تقدير الحال ، وصاحب الحال الضمير في (كائن) العائد على الله تعالى ، والعامل في الحال كائن.
وأما المنطقيّون فقالوا : إنّ (وحده) يصير الكلام بها في قوّة كلامين ، فقولنا : «رأيت زيدا» ، أفاد إثبات رؤيته ، ولم يفد شيئا آخر. وقولنا : «رأيت زيدا وحده» ، أفاد إثبات رؤيته ونفي رؤية غيره ، وهو معنى ما قاله النحاة أيضا. وتصير الجملة ـ بعد أن كانت موجبة ـ متضمّنة إيجابا وسلبا ، وبذلك حلّوا مغلطة ركبها بعض الخلافيّين وهي :
«الماء وحده رافع للحدث ، وكلّ ما هو رافع للحدث رافع للخبث ، فالماء وحده رافع للخبث ، فلا يكون المائع غير الماء رافعا للخبث». وحلّه أنّ هذا قياس من الشّكل الأوّل ، وشرطه إيجاب صغراه ، وهذه الصّغرى بدخول (وحده) فيها لم تصر موجبة ؛ بل موجبة وسالبة ، تقديرها : الماء رافع للحدث ولا شيء من غيره رافع للحدث. وهذا الحلّ صحيح إذا أريد ب (وحده) ذلك. وقد يراد ب (وحده) أنّه يفيد تجرّده عن المخالط ؛ بمعنى : الماء وحده ـ بلا خليط يجرّده عن اسم الماء ـ رافع للحدث. وهذا صحيح ، ولا تخرج الجملة بها عن كونها موجبة ، ولا ينتفع بها