منها : أنّ البيانيّين تكلموا على القصر وجعلوا منه قصر الإفراد ، وشرطوا في قصر الموصوف إفرادا عدم تنافي الوصفين كقولنا : «زيد كاتب لا شاعر». وقلت : كيف يجتمع هذا مع كلام السّهيلي والشيخ (١).
ومنها : أنّ «قام رجل لا زيد» مثل : «قام رجل وزيد» في صحّة التّركيب ، فإن امتنع «قام رجل وزيد» ففي غاية البعد ، لأنّك إن أردت بالرجل الأول «زيدا» كان كعطف الشيء على نفسه تأكيدا ، ولا مانع منه إذا قصد الإطناب. وإن أردت بالرجل غير زيد كان من عطف الشيء على غيره ولا مانع منه ، ويصير على هذا التقدير مثل : «قام رجل لا زيد» في صحّة التركيب وإن كان معنياهما متعاكسين ، بل قد يقال : «قام رجل لا زيد» أولى بالجواز من «قام رجل وزيد» لأنّ «قام رجل وزيد» إن أردت بالرجل فيه زيدا ، كان تأكيدا ، وإن أردت غيره كان فيه إلباس على السامع وإيهام أنّه غيره ، والتأكيد والإلباس منفيان في «قام رجل لا زيد». وأيّ فرق بين «زيد كاتب لا شاعر» و «قام رجل لا زيد» ، وبين رجل وزيد عموم وخصوص مطلق ، وبين كاتب وشاعر عموم خصوص من وجه ، كالحيوان ، وكالأبيض.
وإذا امتنع «جاء رجل لا زيد» كما قالوه ، فهل يمتنع ذلك في العامّ الخاصّ مثل «قام الناس لا زيد».
وكيف يمنع أحد مع تصريح ابن مالك وغيره بصحّة «قام الناس وزيد» ، وإن كان في استدلاله على ذلك بقوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ) [البقرة : ٩٨] الآية ، لأنّ جبريل إمّا معطوف على الجلالة الكريمة ، أو على رسله ، والمراد بالرّسل الأنبياء ، لأنّ الملائكة وإن جعلوا رسلا فقرينة عطفهم على الملائكة تصرف هذا.
ولأيّ شيء يمتنع العطف ب «لا» في نحو «ما قام إلّا زيد لا عمرو» ، وهو عطف على موجب ، لأنّ زيدا موجب ، وتعليلهم بأنّه يلزم نفيه مرّتين ضعيف ، لأنّ الإطناب قد يقتضي مثل ذلك ، لا سيّما والنفي الأول عام ، والنفي الثاني خاصّ ، فأسوأ درجاته أن يكون مثل «ما قام الناس ولا زيد». هذا جملة ما تضمّنه كتابك في ذلك بارك الله فيك.
والجواب : أمّا الشرط الذي ذكر السّهيلي وأبو حيّان في العطف ب «لا» ، فقد ذكره أيضا أبو الحسن الأبدي في (شرح الجزوليّة) فقال : «لا يعطف ب «لا» إلّا بشرط وهو أن يكون الكلام الذي قبلها يتضمن بمفهوم الخطاب نفي الفعل عمّا
__________________
(١) يريد أبا حيان لأن السبكي قد قرأ عليه النحو.