بعدها فيكون الأول لا يتناول الثاني نحو قوله : «جاءني رجل لا امرأة» و «جاءني عالم لا جاهل» ، ولو قلت : «مررت برجل لا عاقل» لم يجز ، لأنّه ليس في مفهوم الكلام الأول ما ينفي الفعل عن الثاني ، وهي لا تدخل إلّا لتأكيد النفي فإن أردت ذلك المعنى جئت ب «غير» فتقول : «مررت برجل غير عاقل» و «غير زيد» ، وغير ذلك و «مررت بزيد لا عمرو» ، لأنّ الأول لا يتناول الثاني». وقد تضمّن كلام الأبّدي هذا زيادة على ما قاله السّهيلي وأبو حيّان ، وهي قوله : إنّها لا تدخل إلّا لتأكيد النّفي ، وإذا ثبت أنّ «لا» لا تدخل إلّا لتأكيد النفي اتّضح اشتراط الشرط المذكور ، لأنّ مفهوم الخطاب يقتضي في قولك : «قام رجل» نفي المرأة ، فدخلت «لا» للتصريح بما اقتضاه المفهوم. وكذلك «قام زيد لا عمرو» أمّا : «قام رجل لا زيد» فلم يقتض المفهوم نفي زيد ، فلذلك لم يجز العطف ب «لا» لأنّها لا تكون لتأكيد نفي بل لتأسيسه وهي وإن كان يؤتى بها لتأسيس النفي فكذلك في نفي يقصد تأكيده بها بخلاف غيرها من أدوات النفي ك «لم» و «ما» وهو كلام حسن. والأبّدي هذا كان أمّة في النحو حتى سمعت الشيخ أبا حيّان يقول : إنّه سأل أحد شيوخه عن حدّ النحو فقال له : الأبّدي ، يعني أنّه تجسّد نحوا (١) ، وإنّما قلت هذا لئلّا يقع في نفسك أنّه لتأخّره قد يكون أخذه عن السّهيلي.
وأيضا تمثيل ابن السرّاج فإنّه قال في (كتاب الأصول) : «وهي تقع لإخراج الثاني ممّا دخل فيه الأول وذلك قوله : «ضربت زيدا لا عمرا» ، و «مررت برجل لا امرأة» و «جاءني زيد لا عمرو» (٢) فانظر أمثلته لم يذكر فيها إلا ما اقتضاه الشرط المذكور.
وقد يعترض على الأبّدي في قوله : إنها لا تذكر إلا لتأكيد النفي. ويجاب بأنّه لعلّ مراده أنّها للنفي المذكور بخلاف «ما» و «لم» و «ليس» ، فلذلك اختيرت هنا ، أو لعلّ مراده أنّها لا تدخل في أثناء الكلام إلّا للنفي المؤكّد ، بخلاف ما إذا جاءت أول الكلام قد يراد بها أصل النفي كقوله : (لا أقسم) وما أشبهه ، والأول أحسن.
وأيضا تمثيل جماعة من النحاة منهم ابن الشجري في (الأمالي) ، قال : «إنّها تكون عاطفة فتشرك ما بعدها في إعراب ما قبلها ، وتنفي عن الثّاني ما ثبت للأول كقولك : «خرج زيد لا بكر «، و «لقيت أخاك لا أباك» و «مررت بحميك لا أبيك» (٣)
__________________
(١) انظر بغية الوعاة (٢ / ١٩٩).
(٢) انظر أصول ابن السرّاج (٢ / ٥٧).
(٣) انظر أمالي ابن الشجري (٢ / ٢٢٧).