مبيّنة حكما جديدا لغيره. فهذا هو الذي خطر لي في ذلك وبه يتبيّن أنّه لا فرق بين قولك «قام رجل لا زيد» وقولك «قام زيد لا رجل» ، كلاهما ممتنع إلّا أن يراد بالرجل غير زيد ، فحينئذ يصحّ فيهما إن كان يصحّ وضع «لا» في هذا الموضع موضع «غير» ، وفيه نظر وتفصيل سنذكره ، وإلّا فنعدل عنها إلى صيغة «غير» إذا أريد ذلك المعنى. وبين العطف ومعنى «غير» فرق ، وهو أنّ العطف يقتضي النفي عن الثاني بالمنطوق ولا تعرّض له للأوّل إلّا بتأكيد ما دلّ عليه بالمفهوم إن سلم ؛ ومعنى «غير» يقتضي تقييد الأول ، ولا تعرّض له للثاني إلّا بالمفهوم إن جعلتها صفة ، وإن جعلتها استثناء فحكمها حكم الاستثناء في أنّ الدّلالة هل هي بالمنطوق أو بالمفهوم وفيه بحث.
والتفصيل الذي وعدنا به هو أنّه يجوز «قام رجل غير عاقل» و «امرر برجل غير عاقل» و «هذا رجل لا امرأة» و «رأيته طويلا غير قصير» ، فإن كانا علمين جاز فيه «لا» و «غير». وهذان الوجهان اللذان خطرا لي زائدان على ما قاله السّهيلي والأبّدي من مفهوم الخطاب ، لأنّه إنّما يأتي على القول بمفهوم اللّقب ، وهو ضعيف عند الأصوليين ، وما ذكرته يأتي عليه وعلى غيره. على أنّ الذي قالاه أيضا وجه حسن ، يصير معه العطف في حكم المبيّن لمعنى الأول من انفراده بذلك الحكم وحده ، وللتصريح بعدم مشاركة الثاني له فيه ، وإلّا لكان في حكم كلام آخر مستقل ، وليس هو المسألة. وهو مطّرد أيضا في قولك «قام رجل لا زيد» ، و «قام زيد لا رجل» لأنّ كليهما عند الأصوليّين له حكم اللّقب. وهذا الوجه مع الوجهين اللذين خطرا لي إنّما هي في لفظة «لا» خاصّة ، لاختصاصها بسعة النفي ، ونفي المستقبل ، على خلاف فيه ، ووضع الكلام في عطف المفردات لا عطف الجمل ، فلو جئت مكانها ب «ما» أو «لم» أو «ليس» وجعلته كلاما مستقلّا لم تأت المسألة ولم تمتنع.
وأما قول البيانيّين في قصر الموصوف إفرادا : «زيد كاتب لا شاعر» فصحيح ، ولا منافاة بينه وبين ما قلناه. وقولهم : عدم تنافي الوصفين ، معناه أنّه يمكن صدقهما على ذات واحدة بخلاف الوصفين المتنافيين ، وهما اللّذان لا يصدقان على ذات واحدة ، كالعالم والجاهل ، فإنّ الوصف بأحدهما ينفي الوصف بالآخر لاستحالة اجتماعهما ، وأما شاعر وكاتب فالوصف بأحدهما لا ينفي الوصف بالآخر لإمكان اجتماعهما في شاعر كاتب ، فإنّما يجيء نفي الآخر إذا أريد قصر الموصوف على أحدهما بما تفهمه القرائن وسياق الكلام. فلا يقال مع هذا كيف يجتمع كلام البيانيّين مع كلام السّهيلي والشيخ لظهور إمكان اجتماعهما.
وقولك في آخر كلامك : وبين كاتب وشاعر عموم وخصوص من وجه أحاشيك