منه ، وحاشاك أن تتكلّم به. وقولك : كالحيوان والأبيض ، كأنّك تبعت فيه كلام الشيخ الإمام العلّامة شهاب الدين القرافي فإنّه قال ذلك ـ رحمه الله ـ وهو في غفلة منه ، أو كلام فيه تسمّح أطلقه لتعليم بعض الفقهاء ممّن لا إحاطة له بالعلوم العقلية ، ولذلك زاد على ذلك ، ومثّل بالزّنا والإحصان لأنّ الفقيه يتكلّم فيهما. وتلك كلّها ألفاظ متباينة ، ومعانيها متباينة ، والتباين أعمّ من التنافي ، فكلّ متنافيين متباينان وليس كلّ متباينين متنافيين. وعجب منك كونك غفلت عن هذا ، وهو عندك في منهاج البيضاوي في الفصيح والناطق ، والنظر في المعقول إنّما هو في المعاني والنسب الأربع من التباين والتساوي والعموم المطلق والعموم من وجه بينهما. والشعر والكتابة متباينان ، والزّنا والإحصان متباينان ، والحيوانيّة والبياض متباينان ، وإن صدقا على ذات ثالثة. فما شرطه البيانيون من عدم التنافي صحيح ، ولم يشرطوا عدم التباين ، وما قاله السّهيلي وأبو حيّان صحيح ولم يشرطا التنافي فلذلك يظهر أنّه يصحّ أن يقال : «قام كاتب والشاعر» وإن كنت لم أر هذا المثال ولا ما يدلّ عليه في كلام أحد ، لأنّ كاتبا لا يصدق على شاعر ، بمعنى أنّ معنى الكتابة ليس في شيء من معنى الشّعر ، بخلاف «رجل وزيد» ؛ فإنّ زيدا رجل والشعر والكتابة في رجل واحد كثوبين يلبسهما واحد أفترى أحد الثوبين يصدق على الآخر؟ فالفقيه والنحويّ الصّرف يريد أن يتأنّس بهذه الحقائق ومعرفتها.
وأمّا قولك : «قام رجل وزيد» فتركيب صحيح ، ومعناه : قام رجل غير زيد وزيد ، واستفدنا التقييد من العطف لما قدّمناه من أنّ العطف يقتضي المغايرة. فهذا المتكلّم أورد كلامه أولا على جهة الاحتمال لأن يكون زيدا وأن يكون غيره ، فلمّا قال : وزيد ، علمنا أنّه أراد بالرّجل غيره. وله مقصود قد يكون صحيحا في إبهام الأول وتعيين الثاني ، ويحصل للثاني به فائدة لا يتوصّل إليها إلّا بذلك التركيب ، أو مثله ، مع حقيقة العطف ، بخلاف قولك : «قام رجل لا زيد» ، لم يحصل به قطّ فائدة ولا مقصود زائد على المغايرة الحاصلة بدون العطف في قولك : «قام رجل غير زيد» وإذا أمكنت الفائدة المقصودة بدون العطف ، يظهر أن يمتنع العطف لأنّ مبنى كلام العرب على الإيجاز والاختصار ، وإنّما نعدل إلى الإطناب لمقصود لا يحصل بدونه ، فإذا لم يحصل مقصود به فيظهر امتناعه ، ولا يعدل إلى الجملتين ما قدر على جملة واحدة ، ولا إلى العطف ما قدر عليه بدونه ، فلذلك قلنا بالامتناع ؛ وبهذا يظهر الجواب عن قولك : إن أردت غيره كان عطفا.
وقولك : (ويصير على هذا التقدير مثل «قام رجل لا زيد» في صحّة التركيب) ،