وأمّا المثال المذكور فأصله : ما جئت بزاد ، ولكنّهم عدلوا عن ذلك لاحتماله خلاف المراد ، وهو نفي المجيء البتّة ، فإنّ من لم يجئ يصدق عليه أنّه لم يجئ بزاد ، فلذلك أدخلوا (لا) على مصبّ النفي ، ومن ثمّ سمّاها النحويّون : مقحمة ، أي : داخلة في موضع ليس لها بالأصالة.
فإن قلت : فلم يقولون : «ما جاءني زيد ولا عمرو» حتّى احتيج إلى إضمار العامل؟ قلت : إنّما يقولونه إذا أرادوا الدّلالة على نفي الفعل عن كلّ منهما بصفتي الاجتماع والافتراق ، إذ لو لم يكرّروا الثّاني احتمل إرادة نفي اجتماعهما ، ونفي كلّ منهما.
فإن قلت : فهلّا أجازوا في الاستفهام «هل جاءك زيد وهل عمرو» إذا أرادوا التّنصيص على الاستفهام عن مجيء كلّ منهما ، ورفع احتمال الاستفهام عن اجتماعهما في المجيء في وقت؟.
قلت : لئلّا تقع أداة الصّدر حشوا.
فإن قلت : قدّر العامل ، وقد صار ذو الصّدر صدرا.
قلت : نعم ، لكن تبقى صورة اللّفظ حينئذ قبيحة ، إذ الأداة داخلة في اللّفظ في حشو الكلام ، وهم معتنون بإصلاح الألفاظ كما يعتنون بإصلاح المعاني.
والثالث نحو : «قام زيد وعمرو».
فإن قلت : فهل نصّ أحد على جواز الوجهين في ذلك على وجوب تقدير العامل مع تكرار النّافي؟.
قلت : أمّا مسألة تكرار النّافي ، فقد أوضحت بالدليل السابق وجوب تقدير العامل فيها. وأمّا ما أجزت فيه الوجهين فلا سبيل إلى دفع الإمكان فيه ، على أنّني وقفت في كلام جماعة على ذلك ، قال بعض المحقّقين : «اعلم أنّ الواو ضربان : جامعة للاسمين في عامل واحد ، ونائبة مناب التثنية ، حتّى يكون قولك : «قام زيد وعمرو» بمنزلة «قام هذان» ، ومضمر بعدها العامل ، وينبني عليها مسائل :
إحداها : «قام زيد وهند» بترك تأنيث الفعل ، فهذا جائز على الوجه الأوّل دون الثّاني ، لأنّا نقول على الأوّل : غلّبنا الذّكر ، ولا يقال ذلك على الثاني ، لأنّ الاسمين لم يجتمعا.