والمدّعى في الوجه الثّاني : أنّها مفيدة للحصر ، واستدلّ لهذا بأمور :
أحدها : فهم أهل اللّسان لذلك ، كما تقرّر من فهم الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ من : «إنّما الماء من الماء» (١) ومن فهم ابن عبّاس رضي الله عنهما من : «إنّما الرّبا في النّسيئة» (٢) مع عدم المخالفة منهم فكان ذلك إجماعا على أنّها مفيدة للحصر. على أنّ الاحتجاج بقضيّة ابن عبّاس مع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ قد يحتمل الاعتراض بأنّ المعترض قد يقتصر على ذكر أحد أوجه المنع لأمر ككون ذلك الوجه أجلى وأبعد عن الاعتراض ، وربّما فعل ذلك على سبيل التّنزّل للخصم فيا ادّعاه وفهمه. فلا يلزم من اقتصارهم على الاعتراض بما فيه معارضة ـ وهو إيرادهم الدليل المقتضي لتحريم ربا التّفاضل ـ أن يكونوا مسلّمين له في دعواه الحصر. وقد يقال أيضا إنّ ابن عبّاس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ فهم الحصر وادّعاه ، وهم لم ينفوه ولم يثبتوه ، فتجيء مسألة ما إذا قال البعض وسكت الباقون ، وهل ذلك حجّة أو ليس بحجّة ؛ فيه كلام مشهور في أصول الفقه.
الدليل الثاني : معاملة العرب للاسم بعدها معاملته بعد (إلّا) المسبوقة بالنّفي. وقولهم معاملة (ما) و (إلّا) تمثيل ، لا أنّ ذلك خاصّ ب (ما) وذلك في قوله (٣) : [الطويل]
[أنا الضّامن الرّاعي عليهم] وإنّما |
|
يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي |
فهذا كقوله : [السريع]
٦٥٥ ـ قد علمت سلمى وجاراتها |
|
ما قطّر الفارس إلّا أنا |
__________________
(١) أخرجه مسلم في صحيحه (١ / ٢٦٩) رقم (٣٤٣). باب : إنما الماء من الماء.
(٢) الحديث في سنن ابن ماجه (٢ / ٧٥٨) ، باب من قال : لا ربا إلا في النسيئة ، ومسند أسامة (١ / ٧٦).
(٣) مرّ الشاهد رقم (١٤٢).
٦٥٥ ـ الشاهد لعمرو بن معدي كرب في ديوانه (ص ١٦٧) ، والأغاني (١٥ / ١٦٩) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٩٩) ، والكتاب (٢ / ٣٧٣) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٤١١) ، وله أو للفرزدق في شرح شواهد المغني (٢ / ٧١٩) ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد (ص ١٨٤) ، وشرح المفصّل (٣ / ١٠١) ، ولسان العرب (قطر).