[الذاريات : ٥٥] ، لأنّ طالب (المؤمنين) هو فعل النّفع لا الأمر بالتّذكير لعموم البعثة ـ كذا قالوا ـ. ولك أن تقول : لا يمتنع التّنازع فيهما ، أمّا في الأولى : فعلى جعل (ظلما) و (علوّا) مصدرين في موضع الحال ك «جاء زيد ركضا» فيكون التقدير : وجحدوا بها ظالمين مستعلين واستيقنوها وحالتهم هذه ، وأمّا في الثانية : فلأنّ عموم البعثة لا ينفي تخصيص (عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء : ٢١٤] ، وقد قال كثيرا من المفسّرين في (قُلْ لِعِبادِيَ ..) [إبراهيم : ٣١] : إنّ المراد (المخلصين) وأنّ الإضافة إضافة تشريف ، وبنوا على هذا صحّة الجزم في قوله سبحانه (يقيموا) و (ينفقوا) ، ونحو ذلك ممّا جزم في جواب الشرط المقدّر بعد الأمر ، فلولا أنّ المراد : (المخلصون) لم يصحّ أن يكون التقدير : إن تقل لهم يقيموا وينفقوا لما يلزم عليه من الخلف في خبر الصادق ، إذ قد يخلف من المقول لهم ـ على هذا التقدير ـ جمّ غفير لا يحصى. والمثال الجيّد فيما نحن فيه قول الشاعر ـ أنشده الفارسي : [الوافر]
٦٦١ ـ عدينا في غد ما شئت إنّا |
|
نحبّ ولو مطلت الواعدينا |
فلا تنازع بين (نحبّ) و (مطلت) في (الواعدين) لأنّ الممطول موعود لا واعد ف (الواعدين) مفعول ل (نحبّ) لا غير.
وأمّا الشرطان اللّذان في المعمول :
فأحدهما : ألا يكون سببيّا ، فلا تنازع بين (ممطول) و (معنّى) في قوله (١) : [الطويل]
[قضى كلّ ذي دين فوفى غريمه] |
|
وعزّة ممطول معنّى غريمها |
لأنّهما حينئذ خبران ل (عزّة) ، وإذا أعمل أحدهما في الغريم أعطي الآخر ضميره كما هو قاعدة التّنازع ، ويلزم من ذلك عدم ارتباط أحد الخبرين بالمخبر عنه ، ألا ترى أنّه يؤول به التقدير ـ على إعمال الأوّل ـ إلى قولك : وعزّة ممطول غريمها معنّى غريم!! وعلى إعمال الثّاني إلى قولك : وعزّة ممطول غريم معنّى غريمها. فإذا ثبت أنّ التنازع في هذا النحو متعذّر وجب أن يحمل على أنّ هذا السببيّ مبتدأ مؤخّر ، وما قبله خبران له يتحمّلان ضميره ، والجملة خبر الأوّل. هذا تقرير قول جماعة منهم أبو عبد الله بن مالك ـ رحمهم الله أجمعين ـ.
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٤٧٧).