«الذي يطير فيغضب زيد الذّباب» وقال الله جلّت كلمته : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) [الحج : ٦٣] ، وقال الشاعر : [الطويل]
٦٦٢ ـ وإنسان عيني يحسر الماء تارة |
|
فيبدو وتارات يجمّ فيغرق |
وأجازوا «مررت برجل كريم بنوك وابنه». فعلى هذا الذي شرحناه لا يلزم من امتناع التنازع في نحو (٢) : [الطويل]
[قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه] |
|
وعزّة ممطول معنّى غريمها |
حيث لا فاء سببية ولا واو بين المفردين أن يمتنع في «عزّة ممطول ومعنّى غريمها» و «عزّة ممطول فمعنّى غريمها» ، ثمّ إذا لم يكن (معنّى) مبتدأ البتّة فلا منع وإن وجد السببيّ ، مثاله : قيل لك : ما معك من خبر زيد؟ فتقول : «قام وقعد أبوه» ، لا يمنع التّنازع فيه أحد. وإذا ثبت جوازه في ذلك ونحوه فالصّواب أن يقال : إنّ الشّرط ألّا يكون الحمل على التّنازع مؤدّيا إلى عدم الرّبط.
الثاني : ألّا يكون محصورا فلا تنازع في «ما قام وقعد إلّا زيد» لأمرين :
أحدهما : أنّ الواقع بعد (إلّا) إمّا أن يكون ظاهرا أو مضمرا ، وأيّا ما كان ، فهو غير متأتّ ، فإن كان ظاهرا فإنّه يقتضى أن يقول في نحو : «ما قام وقعد إلّا الزيدان» أو «إلّا الزيدون» : (ما قاما) أو (ما قاموا) أو (قعدا) أو (قعدوا) ، ولم يتكلّم بمثل هذا ، وإن كان مضمرا فإنّه إن كان حاضرا نحو : «ما قام وقعد إلّا أنا» أو «إلّا أنت» ، لم يتأتّ الإضمار في أحدهما إذا أعملت الآخر ، لأنّك إمّا أن تضمر ضميرا غائبا فيلزم إعادة ضمير غائب على حاضر ، أو ضميرا حاضرا فتقول «ما قام وقعدت إلّا أنا» أو «... وقعدت إلّا أنت» ، أو تقيس ذلك على إعمال الثّاني ، فيلزم مخالفة قاعدة التنازع ، لأنّك تعيد الضّمير على غير المتنازع فيه ، لأنّ ضميري المتكلّم والمخاطب إنّما يفسّرهما حضور من هما له لا لفظه والضمير في باب التّنازع إنّما يعود على لفظ المتنازع فيه ، وإن كان غائبا لزم إبرازه في التثنية والجمع ، وقد ذكرنا أنّه لم يتكلّم به.
الوجه الثاني : أنّ الإضمار في أحدهما يؤدّي إلى إخلاء عامله في الإيجاب ، لأنّ
__________________
٦٦٢ ـ الشاهد لذي الرمة في ديوانه (ص ٤٦٠) ، وخزانة الأدب (٢ / ١٩٢) ، والدرر (٢ / ١٧) ، والمقاصد النحوية (١ / ٥٧٨) ، ولكثير في المحتسب (١ / ١٥٠) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (٣ / ٣٦٢) ، وتذكرة النحاة (ص ٦٦٨) ، وشرح الأشموني (١ / ٩٢) ، ومجالس ثعلب (ص ٦١٢) ، ومغني اللبيب (٢ / ٥٠١) ، والمقرّب (١ / ٨٣) ، وهمع الهوامع (١ / ٩٨).
(١) مرّ الشاهد رقم (٤٧٧).