أمّا قول ثعلب : «عرق النّسا» فقد أجمع كلّ من فسّر القرآن من الصّحابة والتابعين رضي الله عنهم وهلمّ جرّا أنّ معنى قوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) [آل عمران : ٩٣] : لحوم الإبل وألبانها فقال عليّ وعبد الله بن عبّاس وعبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنهم ـ وكلّ من فسّر القرآن : إنّ يعقوب عليه السّلام كان به عرق النّسا. فلم يجز لثعلب أن يترك لفظ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويأخذ بقول الشّاعر (١) : [المتقارب]
فأنشب أظفاره في النّسا |
|
[فقلت هبلت ألا تنتصر] |
وأمّا قوله في : «حلمت في النوم حلما وحلما» : فقد غلط أنّه أقام الاسم مقام المصدر ؛ فخطأ ، لأنّ الحلم مصدر واسم ؛ يقال : رعب الرّجل رعبا ورعبا وحلم الرّجل حلما وحلما. وهذا ممّا وافق الاسم فيه المصدر مثل النّقص والعلم ؛ تقول : علمت علما ، وفي فلان علم ، فالعلم مصدر واسم.
وأمّا احتجاجه بقوله تعالى : (يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) [النور : ٥٨] ، فهذه حجّة عليه ؛ لأنّه أراد المصدر هاهنا أي : لم يبلغوا الاحتلام. وأمّا قوله : حسب الحساب ولم يقل الحسب فخطأ فاحش ، فإنّ العرب قد تذكر الاسم في موضع المصدر فيقولون : «أعطيته عطاء» في موضع (إعطاء) ، و «هذا يوم عطاء الجند ، وعطاء الأمير» وكما استغنوا بلفظ الاسم عن المصدر ، كذا استغنوا بالحساب عن الحسب ولا سيّما إذا كان الحسب لفظا يشبه الكفاية ، و (حسبك) أي (كفاك).
وأمّا قوله في «رجل عزب» : إنّه مصدر لا تدخله الهاء فخطأ عظيم ، لأنّ العزب اسم وصفة بمنزلة العازب قال ابن أحمر : [البسيط]
٦٧٣ ـ حتّى إذا ذرّ قرن الشّمس صبّحها |
|
أضري ابن قرّان بات الوحش والعزبا |
وسمّي العزب عزبا لأنّه قد بعد عن النّكاح ، قال الأصمعيّ وابن الأعرابيّ والطّوسي : «أراد : بات عازبا ، والأضري : كلاب الصّيد ، جمع ضرو. والدليل على أنّ العزب اسم الفاعل أنّك تجمعه على فعّال ، قوم عزّاب وامرأة عزبة». وقد ذكره أبو عبيد في المصنّف كما ذكره ثعلب ، ولكنّهم فرّقوا بين العازب البعيد في المسافة ، وبين العزب البعيد من النّكاح. ويقال : امرأة عزب وعزبة غير أن ثعلبا اختار اللّغة الفصحى. وأمّا تشبيهه (عزبا) ب (خصم) فخطأ ثان ، لأنّ الخصم كالعدل والرّضى
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٦٧١).
٦٧٣ ـ الشاهد لابن أحمر في ديوانه (ص ٤٣) ، ولسان العرب (ضرا).