والدّنف والقمن والصّوم والفطر وما شاكل ذلك ، فإنّه جرى عند العرب كالمصدر لا يثنّى ولا يجمع في اللّغة الفصيحة ، قال الله تعالى : (هؤُلاءِ ضَيْفِي) [الحجر : ٦٨] وقد يقال : أضياف ، وضيوف ، وامرأة ضيفة وضيف. وقال ذو الرّمّة : [البسيط]
٦٧٤ ـ تجلو البوارق عن مجر مّز لهق |
|
كأنّه متقبّي يلمق عزب |
والعزب هاهنا المفرد. وقد قالت العرب : امرأة محمق ومحمقة ، وعاشق وعاشقة ، وغلام وغلامة ورجل ورجلة ، وشيخ وشيخة ، وكهلّ وكهلة وشبه هذا لا يحصى كثرة ، فلا أدري لم عاب عزبا وعزبة. وقد حكاه أبو عبيد في (المصنّف) ، كما حكاه ثعلب.
وأمّا قوله : إن الاختيار (كسرى) بالفتح ، لأنّ النّسب إليه (كسرويّ) فخطأ عظيم ، لأنّ (كسرى) ليس عربيّا ، ولم يكن في الأصل (كسرى) ولا (كسرى) ، إنّما هو بالفارسيّة : (خسرو) بضمّ الخاء ، وليس في كلام العرب اسم في آخره واو قبلها ضمّة ، فعرّبته العرب إلى لفظ آخر ، فإن فتحت أو كسرت فقد أصبت ، والكسر أجود ، لأنّ (فعلى) يشبه الاسم المفرد ، مثل الشّعرى ، وذكرى ، فلمّا كان (كسرى) رجلا واحدا و (الشّعرى) نجما واحدا ردّه إلى ألفاظهم ، ولو قالوا : (كسرى) أشبه الجمع مثل (قتلى) و (جرحى) ، فلمّا نسب إليه انفتح فقالوا : (كسرويّ) لأنّ الكسر مع ياء النّسب مستثقل ، ألا ترى أنّهم يقولون في : (تغلب) (تغلبيّ). وليس يشبه (كسرويّ) النّسب إلى (درهم) و (معزى) ، لأنّ (درهما) ليس فيه لغتان الكسر والفتح ، وكذلك (معزى) لا يقال : (درهم) ولا (معزى) فيختار في النّسب الفتح لخفّته ، وهو واضح بحمد الله. وحدّثنا ابن دريد عن أبي حاتم ـ وكان من أشدّ الناس تعصّبا على الكوفيّين ـ في كتاب (ما يلحن فيه العامّة) أنّ (كسرى) بالكسر أفصح من الفتح ، وكذلك ذكر أبو عبيد أنّ الكسر أفصح.
وأمّا قوله : وعدته الشّرّ فإذا لم تذكر الشّرّ قلت أوعدته بكذا ، وزعم أنّه نقض لما أصّل فقد غلط لأنّ ثعلبا إنّما قال : وعدت الرّجل خيرا وشرّا ، لأنّ الله تعالى قال : (النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحج : ٧٢] ، فهذا في الشّرّ. وقال الله عزّ وجلّ : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) [الأنفال : ٧] ، فهذا في الخير ، فإذا لم تذكر الشّرّ قلت : (أوعدته) على الإطلاق ، و (وعدته) على الإطلاق في الخير ، فإذا قرنتهما
__________________
٦٧٤ ـ الشاهد لذي الرمة في ديوانه (ص ٨٧) ، ولسان العرب (يلمق) ، و (قبا) ، وجمهرة أشعار العرب (ص ٩٥٦) ، وتاج العروس (يلمق) و (قبا) ، وبلا نسبة في المخصص (١٤ / ٤١).