تركيب (لا) ، لأنّك إذا رفعت كأنّما نفيت واحدا وإذا ركّبت فإنّما نفيت الجنس أجمع. وإذا عرفت هذا فدخول (القتال) الأوّل تحت القتال الثاني يقوم مقام عود الضّمير إليه. ومثل هذا البيت ما أنشده سيبويه : [الطويل]
٦٨٠ ـ ألا ليت شعري هل إلى أمّ معمر |
|
سبيل فأمّا الصبر عنها فلا صبرا |
فالصبر من حيث كان معرفة داخل تحت (صبر) المنفيّ لشياعه بالتّنكير. ونظير هذا أنّ قولهم : «نعم الرّجل زيد» في قول من رفع زيدا بالابتداء فأراد : زيد نعم الرجل ، يدخل فيه زيد تحت (الرّجل) لأنّ المراد بالرّجل هاهنا الجنس فيستغني المبتدأ بدخوله تحت الخبر عن عائد إليه من الجملة ، ويوضّح لك هذا أنّ قولك : «زيد نعم الرّجل» كلام مستقلّ ، وقولك : «زيد قام الرّجل» كلام غير مستقلّ ، وإن كان قولك : (قام الرّجل) جملة من فعل وفاعل كما أنّ قولك : (نعم الرّجل) كذلك. ولم يستقم قولك : «زيد قام الرّجل» حتّى تقول : (إليه) ، أو (معه) ، أو نحو ذلك ، لكون الألف واللام فيه لتعريف العهد فالمراد به واحد بعينه. والرّجل في قولك : «زيد نعم الرّجل» بمنزلة الإنسان في قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر : ١ ـ ٢] ، ألا ترى أنّه استثني منه (الَّذِينَ آمَنُوا) [العصر : ٣] ، والاستثناء من واحد مستحيل ، لا يصحّ إذا استثنيت واحدا من واحد ، فكيف إذا استثنيت جمعا من واحد! ومثله : (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها) [الشورى : ٤٨] ، فالمراد بالإنسان هاهنا الناس كافّة فلذلك قال : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) [الشورى : ٤٨]
وإذا كان الاسم المعرّف بالألف واللّام نحو : (الرّجل) و (الإنسان) قد استوعب الجنس فما ظنّك باسم الجنس المنكور المنفيّ في قوله : «لا قتال لديكم» وقول الآخر (٢) : [الطويل]
[ألا ليت شعري هل إلى أم معمر] |
|
سبيل فأمّا الصّبر عنها فلا صبرا |
والتنكير والنّفي يتناولان من العموم ما لا يتناوله التعريف والإيجاب ، ألا ترى
__________________
٦٨٠ ـ الشاهد لابن ميادة في ديوانه (ص ١٣٤) ، والأغاني (٢ / ٢٣٧) ، والحماسة البصرية (٢ / ١١١) ، وخزانة الأدب (١ / ٤٥٢) ، والدرر (٢ / ١٦) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٢٦٩) ، وشرح التصريح (١ / ١٦٥) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٧٦) ، والمقاصد النحوية (١ / ٥٢٣) ، وبلا نسبة في مغني اللبيب (٢ / ٥٠١) ، وهمع الهوامع (١ / ٩٨) ، والكتاب (١ / ٤٥٤).
(١) مرّ الشاهد رقم (٦٨٠).