يكون كحل عين زيد أحسن ، ولأن لا يكون ، بأن يكونا متساويين ، و «ما رأيت رجلا يحسن» محتمل لأن يكون كحل عين زيد أحسن وأزيد كما تقدّم ، ولأن لا يكون ، بأن يكون أنقص ، فقد تساوى المدلولان في الجملة وهو على ما فيه أقرب من الأوّل للقبول.
وقد يقال : إن قولك : «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل» وإن كان منصبّا على نفي الزّيادة في عين الرّجل وهي تصدق بالمساواة وبنقصانها عن عين زيد ، فالمراد في الاستعمال الأخير ؛ يوضّح لك ذلك أنّك تقول : «ما رأيت أفضل من زيد» تقصد إثبات الأفضليّة له ، قال من نعلم من محقّقي المفسّرين في قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) [البقرة : ١١٤] ، و (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ) [الزمر : ٣٢] المعنى : لا أحد أظلم من أولئك ، وتكلّموا على الجمع بينهما بكلام يذكر في موضعه. وقولك : «ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل حسنه في عين زيد» (١) وإن كان منصبّا على نفي المماثلة وهي تصدق بشيئين بالزّيادة والنّقص ، كما سبق وضوح الأمرين حسب ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال : «من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم مائة مرّة ، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل ممّا جاء به ، إلّا رجل قال مثل ما قال أو زاد عليه» (٢) ولو قيل إنّ أو بمعنى الواو كان تكلّفا وما سبق أولى فتأمّله ، لكنّ المراد في الاستعمال إثبات الزّيادة للثاني قضاء لحقّ التّشبيه ، ويوضّح ذلك البحث البيانيّ في قوله تعالى : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) [آل عمران : ٣٦]. ونظير ما ذكرناه هنا في التراكيب من قصرها في الاستعمال على أحد ما يقتضيه وضع اللّفظ قصر بعض المفردات على ذلك عرفا ، نحو : (الدابّة) في الأجناس و: إن عمرا ... البيت.
في الأعلام بالغلبة ، هذا شيء يوافق عليه من مارس اللّغة العربية ، ولم يجمد على القواعد الجدليّة.
الثاني : من تعليل الجمهور لرفع أفعل الظاهر أنّه لو لم يرفع الظاهر ، ورفع إمّا على أنّه مبتدأ مخبر عنه بالكحل أو خبره الحكل تقدّم عليه ، لزم منه أمر ممتنع وهو الفصل بين أفعل ومعموله بأجنبيّ منه ومعنى الأجنبي أنّه غير معمول له عمل الفعل فيه ، وإلّا فالفصل بالخبر أو بالمبتدأ والخبر ، ومعموله فصل بمعموله عند من يرفع أحدهما بالآخر ، والفصل بين العائد ومعموله بالأجنبيّ لا يجوز ، لأنّهما كالكلمة الواحدة.
__________________
(١) انظر الكتاب (٢ / ٢٩).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه (٤ / ٢٠٧١) رقم الحديث (٢٦٩٢).