الطّريق المستبين. والصلاة والسّلام على عبده محمّد المخصوص بالشّرع العامّ المفضّل على الخلق أجمعين ، وعلى آل محمّد وأصحابه وأزواجه وذرّيّته والتّابعين.
فإنّه لمّا حضر كاتب هذه الأوراق ، الفقير إلى عفو الله الخلّاق مجلس مولانا المعزّ الأشرف ، محبّ العلم والعلماء ، حبيب الأخيار الحلماء السّيفي ملكتمر المارداني ، بلّغه الله في الدّنيا والآخرة حسن الأماني ، تغيّر بعض من حضر بما تفضّل به من الإحسان وغمر ، في حقّ محبّه الفقير إلى عفو الله عمر ، فلمّا وقع الكلام في المتعة قال بعض الحاضرين قولا فمنعه ، ثمّ انتشر الكلام في الاستدلال ، وظهر من المتحمّلين في الكلام كثير من الاختلال ثم حصل بعد ذلك السّكون ، وربّك يعلم ما تكنّ صدورهم وما يعلنون ، ثم قرأ قارئ من القرآن العظيم آيات يعلم السبيل إلى فهمها العلماء الأثبات منها : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [يونس : ٦١] ، ولم يكن في عزم كاتبه العود إلى الكلام مع أحد من الحاضرين ، لما يقع في ذلك من اللّغط ، وذلك مظنّة الغلط ، فقال بعضهم في الاستثناء إشكال ، ولم يكمل في المقال ، ولم يقتصر على السؤال ، وكان كاتبه ضيّق عليه في ذلك المجال ، إلى أن أرحته بالانتقال إلى الجواب ، فقلت والله الموفّق للصواب :
الجواب عن ذلك من أوجه أربعة : من لغط فقد قرّر أمره على المنازعة بغير علم وأزمعه وهنّ : أنّه يجوز أن تكون (إلّا) بمعنى الواو أو الاستثناء من محذوف ، أو من قوله : (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) أو منقطع. وفي أثناء ذلك كلام المتعصّبين لإقامة الشّرّ لا ينقطع ، فقصدت بهذا التّصنيف تقرير الأوجه في ذلك ، وإيضاح القول فيه والمسالك.
فأقول : وجه الإشكال أن يقال : لا يصحّ أن يكون الاستثناء من قوله (وما يعزب) إذ يصير المعنى : وما يبعد وما يغيب إلّا في كتاب مبين ، وهذا فاسد ولا يصحّ أن يكون الاستثناء من قوله (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) رفعت أو فتحت لأنّ الرّفع للعطف على محلّ مثقال ، والفتح للعطف على لفظه ، وهو في موضع الجرّ لامتناع الصّرف في أصغر وأكبر للصّفة والوزن. وحينئذ فيشكل الاستثناء. وهذا الأخير لم يقرّره من كان يستشكل بل اقتصر على الأوّل ، ولم يكمل الكلام لذهوله عن الثاني وتمام الكلام أنّ الاستثناء ممّا ذكر على ما تقرّر لا يصحّ. ولا مذكور فيما ذكر يستثنى منه الأوّل ، والأصل عدم الحذف وبتقديره فما هو. وبلغني من بعض العلماء الأعلام أن بعض من حضر المجلس له مدّة يسأله عن هذا السؤال بعينه وتردّد له في ذلك مرات في أوقات قريبة من هذا المجلس ، ولم يكن عندي علم من ذلك إلّا