بعد وقوعه وظهور ما كانوا يكتمون ، والله يكتب ما يبيّتون. ولما حصل الكلام في ذلك فتح الله عليّ على الفور بأجوبة أربعة فأردت أن أرتّبها بأن أخرج (إلّا) عن الاستثناء إلى العطف أو أجعلها على بابها ، والاستثناء من محذوف ملتزما العطف في (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) على اللفظ أو المحلّ ، أو لا ألتزم ذلك فيكون من (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) بتقدير الابتداء رفعا ، أو نصبا و (لا) لنفي الجنس. وآخر ما ذكرت أن يكون الاستثناء منقطعا. فلمّا أخذت في الكلام على الأوّل وقعت المنازعة فيه لغرابته عندهم واعتقادهم أنّه لم يقل أو لم يقل مثله في القرآن العظيم ، وكلّ من الاعتقادين غير صحيح :
أمّا الأوّل : فقد صرّح جمع من النحاة بنقل ذلك عن جماعة من النحاة المتقدّمين ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وأمّا الثاني : فقد ذكره جمع من المفسّرين والمعربين في قول الله تعالى في سورة هود : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) [هود : ١٠٨].
وكان من جملة كلام بعض من حضر : يفسد المعنى على هذا التّقدير ، لأنّه يكون التقدير : «ولا في كتاب مبين» فقلت له في الجواب : الكلام في تقدير (إلّا) بالواو ولا ب (ولا).
ثمّ قلت : وكيف يفسد والمعنى صحيح على تقدير (ولا) ، لأنّ التقدير حينئذ : وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ولا في كتاب مبين ، والمعنى كلّ كائن في الأرض وفي السماء ، وفي أصغر من ذلك ، وفي أكبر منه ، وفي كتاب مبين ، لا يعزب منه شيء عن ربّك. وعلى تقدير الواو يصير التقدير : وذلك ، أو وهو في كتاب مبين. وكان وقع من استشهادي في المجلس ما قال الشّاعر : [الوافر]
٧٥١ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلّا الفرقدان |
__________________
٧٥١ ـ الشاهد لعمرو بن معدي كرب في ديوانه (ص ١٧٨) ، ولسان العرب (ألا) والممتع في التصريف (١ / ٥١) ، والكتاب (٢ / ٣٥٠) ، ولحضرمي بن عامر في تذكرة النحاة (ص ٩٠) ، وحماسة البحتري (ص ١٥١) ، والحماسة البصرية (٢ / ٤١٨) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ٤٦) ، والمؤتلف والمختلف (ص ٨٥) ، ولعمرو أو لحضرمي في خزانة الأدب (٣ / ٤٢١) ، والدرر (٣ / ١٧٠) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٢١٦) ، وبلا نسبة في أمالي المرتضى (٢ / ٨٨) ، والجنى الداني (ص ٥١٩) ، وخزانة الأدب (٩ / ٣٢١) ، ورصف المباني في (ص ٩٢) ، ومغني اللبيب (١ / ٧٢) ، وشرح الأشموني (١ / ٢٣٤) ، وشرح المفصّل (٢ / ٨٩) ، وفصل المقال (ص ٢٥٧) ، والمقتضب (٤ / ٤٠٩) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٢٩).