المنهاج ـ رحمه الله ـ لمّا اختصر ما في المحرّر وحذف أوّلا «كان واسمها» ذكر الشّرط.
ثمّ قوله في ردّ هذا الوجه : «سواء جعلت كان تامّة أو ناقصة». كيف يصحّ فرض (كان) تامّة والمدّعى أنّ (ضبّة) منصوب بها فتأمّل. هذا آخر كلام الوالد على هذا الوجه ثم شرع في ذكر كلام المعترض على بقيّة الأوجه ثمّ قال :
وأمّا قول من قال : تضبيبا ضبّة : فليس بشيء ، لأنّه لم يعرب (ضبّة) وإنّما أكّد الفعل بمصدره القياسيّ وأبقى الضبّة على حالها.
وأمّا قول من قال : إنّ (ضبّة) مفعول مطلق لأنّه آلة التّضبيب أو توسّع المصنّف فأطلق الضبّة على المصدر ونصبها مفعولا مطلقا : فشبهته قوية جدّا لأنّ لفظ (ضبّة) موافق في المعنى واللّفظ للفعل قبله. ويردّ بأنّ الضبّة ليست بآلة للتّضبيب ، لأنّ كلّ الآلات تكون موجودة قبل الفعل معدّة معروضة له ، كالسّوط قبل الضّرب ، والقلم قبل الكتاب. وأيضا فإطلاق آلة المصدر عليه سماع كضربته سوطا ، ولا تقول كتبته قلما. والضبّة عبارة عن الرّقعة التي يرقع بها الإناء ونحوه ، وقد كانت قبل ذلك جنسا من الأجناس صيّر المضبّب بفعله فيه ضبّة ، ففعله فيه يسمّى تضبيبا ، والضبّة عبارة عن الذات وكانت قبل ذلك جنسا لا تسمّى ضبّة.
ولو سلّمنا أنّها من الألفاظ التي أطلقها العرب على المصادر وليست بمصادر كالآلات والعدد وما أضيف إليها ونحوه فإنّ وصفها بكبيرة يردّه ، لأنّ المعاني لا توصف بكبر ولا صغر ، وإنّما توصف بالقلّة والكثرة والقوّة والضّعف ، ونحوها من أوصاف المعاني.
وإذا صحّ ذلك فلا يقال : توسّع المصنّف فنصب الضّبّة على المصدريّة ، لأنّ معنى توسّع : ارتكب لغة مولّدة ، فهو قلّة حشمة وأدب على المصنّف ، لكنّه لا ينبغي أن يقال حتّى يقع العجز بعد النظر والاجتهاد ، لأنّ المولّد إذا صنّف في الفروع أو غيرها يعذر في ارتكابه لغته المولّدة لأنّه لو كلّف الكلام باللّسان العربي دائما صعب عليه ، لأنّه لا يقدر عليه إلّا بكلفة. فإذا عجزنا عن الدخول بكلامه في اللّسان العربيّ عذرناه ولا جناح عليه. انتهى.
واقتضى كلامه أنّ نزاعه إنّما هو في تعليل كونه مطلقا بجعله آلة. وأمّا نفس الدّعوى فلا نزاع فيها ، فإنّ المصدر قد ينوب عنه في الانتصاب على أنّه مفعول مطلق ملاق له في الاشتقاق ، وإن كان اسم عين حاصلا بفعل فاعل المصدر كقوله تعالى :